على مدار أعوامه الاثنين والأربعين استطاع مجلس التعاون لدوَل الخليج العربيَّة أنْ يحتلَّ مكانًا مرموقًا على الصعيدَيْنِ الإقليميِّ والعالميِّ، وبات بفضل وحدة أعضائه وتماسُكهم نموذجًا وحدويًّا فريدًا له ثقلٌ في كافَّة المجالات وفي شتَّى الأصعدة، وخطَا خطوات واسعة من التعاون الاستراتيجيِّ، التي انطلقت من تشابُه ظروف أعضائه، وما يملكونه من قواسم مشتركة كبيرة، تجعل الوحدة الخليجيَّة تنطلق من واقع مشترك ومصير، تجمعها تحدِّيات سياسيَّة وأمنيَّة واقتصاديَّة واحدة، فرضت توحيد الجهود والتعاون بَيْنَها، وتعزيز التكامل الاقتصاديِّ والسياسيِّ والأمنيِّ لتحقيق الاستقرار والتعاون في مواجهة هذه التحدِّيات التي تموج بها المنطقة والعالم، منذ انطلاق المَسيرة في الـ25 من مايو 1981م، وحتى وقتنا الحالي.
ورغم ما حقَّقه المجلس الذي تحلُّ اليوم الذكرى الـ42 لتأسيسه من منجزات يشهد بها القاصي والدَّاني، وأضحى على كافَّة الأصعدة السياسيَّة والاقتصاديَّة، يملك ثقلًا في محيطه الإقليميِّ والعالميِّ، منطلقًا من ثوابت تسعى إلى تعزيز التكامل الاقتصاديِّ والتعاون السياسيِّ والتنمية الإقليميَّة لتحقيق الترابط الأمثل بَيْنَ شعوبه، وتحقيق باقي الأهداف التي حدَّدها النظام الأساسيُّ للمجلس، والتي استطاع عَبْرَها أنْ ينجحَ في تعزيز مكانته الإقليميَّة وتفاعله وحضوره الدوليِّ، وأصبح شريكًا فاعلًا وموثوقًا به لترسيخ الأمن والاستقرار حَوْلَ العالَم، وعمل على توسيع شراكاته وحواراته الاستراتيجيَّة مع العديد من الدوَل والتجمُّعات، والدخول في مفاوضات التجارة الحُرَّة مع الدوَل والمجموعات الاقتصاديَّة الدوليَّة تحقيقًا للمصالح المشتركة.
إنَّ نجاح التجربة الخليجيَّة يتجلَّى في ما نشهده على أرض الواقع من منجزات متعدِّدة شملت كافَّة المجالات والأصعدة، منجزات تؤكِّد أنَّ المجلس ماضٍ في طريقه الصحيح الذي ينطلق من التَّوجيهات السَّديدة وقرارات أصحابِ الجلالةِ والسُّموِّ قادة دوَل المجلس ـ حفظهم الله ورعاهم ـ والقائمة على أساس راسخ يضع المواطن الخليجيَّ محورًا للتنمية الشاملة ومحرِّكها وصاحب الحقِّ الأصيل في عوائدها، والعمل بشكلٍ متفرِّد على صون المكتسبات التي تحقَّقت في العقود الأربعة الماضية، والحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، والسَّعي إلى التكامل الاقتصاديِّ بكُلِّ برامجه ومشروعاته وأهدافه، والذي يتحقَّق بسواعد أبنائه وعزيمتهم، وبالمزيد من التنسيق والتكامل والترابط بَيْنَ دوَل المجلس في جميع الميادين لبلوغ الطموحات والآمال المنشودة.
ويُشكِّل الدَّور العُمانيُّ ركنًا أساسيًّا أسْهمَ في تعزيز مَسيرة العمل الخليجيِّ، حيث حرصت سلطنة عُمان منذ الانطلاق وحتَّى الآن على توحيد جهود أعضائه، واستفادت بما تملكه من سياسة خارجيَّة رصينة في الحفاظ على وحدة الصَّف الخليجيِّ، حيث تؤمن السَّلطنة بأهمِّية التآزر في تعزيز التعاون المشترك من أجْل تحقيق أهداف وتطلُّعات الدوَل الأعضاء؛ إيمانًا منها بأنَّ وحدة الصَّف هي بوَّابة العمل الخليجيِّ المشترك، وهي صاحبة الفضل فيما وصل إليه المجلس من مكانة، جعلت العالَم أجمع يدرك أهمِّيته، حيث أسْهمَت الروابط القويَّة التي أقامها مجلس التعاون مع شركائه الدوليين وقيامه بِدَوْر الوساطة السياسيَّة في حلِّ العديد من القضايا الإقليميَّة والدوليَّة وتحقيق الاستقرار الدوليِّ والإقليميِّ، ما أضحى محلَّ تقديرٍ على نطاق واسع من قِبل المُجتمع الدوليِّ.