منذ أن ازداد نشاط الذَّكاء الاصطناعي وعواصف النقاشات والطروحات متعدِّدة الأوْجُه لَمْ تتوقف، مع التركيز على مخاوف حقيقيَّة تهدِّد الوظائف وأخطار بيولوجيَّة تهدِّد حياة البَشر. ورغم وجود تناقضات أحيانًا في المعلومات وانعكاس ذلك على نتائج التحليل لكُلِّ زاوية منها، إلَّا أنَّ ما هو مفروغ منه، أنَّ مقابل الفوائد الهائلة التي يقدِّمها الذَّكاء الاصطناعي للبَشريَّة، فإنَّ الأخطار والتهديدات تبقى قائمة، وثمَّة مَن يقول، إنَّ العواصف الكبيرة لَمْ تبدأ بعد، وإنَّ زوايا عديدة في حياتنا ستنتقل من الظلِّ إلى الواجهة، ويتفاجأ الناس يوميًّا بما يفرزه الذَّكاء الاصطناعي في ثنايا حياتهم.
إنَّ الحديث عن استحواذ الذَّكاء الاصطناعي على عددٍ كبير من الوظائف ليس بالجديد، لكن ما يُمكِن تلمُّسه أنَّ تلك العمليَّات تتسارع، وأنَّ الكثير من الوظائف والمِهن التي كانت مستبعدَة نهائيًّا من تأثُّرها بالزاحف الجديد قد شملها الإعصار، وأنَّ التشعُّبات في حركة دائبة، ويتراجع عدد المتفائلين في صعوبة تبوُّؤ الذَّكاء الاصطناعي موقع المهدِّد الحقيقي للبَشر والوظائف، وتَعُودُ التحذيرات من التطوُّرات العِلميَّة إلى عشرات السنين، لكن مع دخول التقنيَّات الحديثة ووجود جيوش من المُبرمِجين العاملين في حقول الذَّكاء الاصطناعي فقد أصبحت التهديدات جديَّة وحقيقيَّة.
مؤخرًا حسم الدكتور إريك شميدت، الرئيس السَّابق لشركة جوجل الجدل الدَّائر في الأوساط العِلميَّة وفي مُجتمع التقنيَّات المتطوُّرة، بقوله إنَّ الذَّكاء الاصطناعي، الذي يغمر قِطاعات كثيرة في العالم اليوم، قد يستخدم بشكلٍ كبير في «قتل البَشر». هذا نَصُّ تصريحه. وأشار إلى أنَّ الذَّكاء الاصطناعي يُمثِّل «خطرًا وجوديًّا» على البَشريَّة، «وسيكون مسؤولًا عن قتل وأذيَّة العديد من البَشر».
هذا التَّأكيد على خطورة الأمْرِ يخرج من المؤسَّسة التي تعمل في حقول الذَّكاء الاصطناعي، وأمضَى الرَّجل عشرين عامًا في قمَّة هرم قيادة جوجل، ومواكبٌ لأهمِّ التطوُّرات والقفزات الهائلة في هذا العِلم، فهو يغوص في الأعماق ويرى ما لا يراه الآخرون، خصوصًا الذين يشاهدون ويتابعون ويتفاجؤون بالتطوُّرات شِبه اليوميَّة. لهذا فإنَّه قد يحسم الكثير من الجدل الدَّائر، ويفترض أن تبدأ مرحلة جديدة أشار إليها في سياق حديثه تتعلَّق بالجهات التي قد تطوِّر في الذَّكاء الاصطناعي بما يهدِّد حياة البَشر في مفاصل حيويَّة كثيرة، وأن تكُونَ قوانين ردع كبيرة ودقيقة وأن يتصدَّى المُجتمع الدولي المتمثِّل بالمنظَّمات والهيئات الأُمميَّة والحكومات والمؤسَّسات العِلميَّة والأكاديميَّة المرموقة لمِثل هذا التطوُّرات وما تحمله من أخطار جمَّة وتحدِّيات كبيرة، أمَّا جوهر المخاوف، فتلك التي تذهب بالتحليل والتوقُّع بقدرات هائلة قد يتمكن فيها هذا القِطاع من فرض سطوة مطلقة على القِطاعات الأخرى.


وليد الزبيدي
كاتب عراقي
[email protected]