في السفر يواجه الكثير من الناس إشكاليَّة المقارنة بَيْنَ عُملة البلد الذي يزورونه وعُملتهم الأصليَّة، وتختلف القدرات من شخص إلى آخر، حيث يستطيع الكثير منهم معرفة ذلك بسرعة وبمعادلة بسيطة. وهنا أتحدَّث عن فترة ما قَبل البرامج التي تعجُّ بها الهواتف الذكيَّة والمتخصِّصة في عمليَّة تغيير العملة والمقارنة اللحظيَّة بَيْنَ عملات دوَل متعدِّدة، ولكن يظلُّ البعض لا يستطيع أن يفكَّ طلاسم هذا الموضوع حتى عودته من رحلته، وهذا ما يفسِّر لنَا أحيانًا كثيرة أنَّ البعض ينفق أموالًا كثيرة في سفره ظنًّا منه أنَّ العملة في تلك البلد رخيصة بالمقارنة مع عُملة بلده، ليكتشفَ في النِّهاية أنَّ الأمْرَ غير ذلك.
كنَّا في إندونيسيا حيث يساوي المليون روبيَّة إندونيسيَّة في تلك الفترة ما يعادل 33 ريالًا عُمانيًّا. وبِما أنَّ صديقنا لا يسمع من خلال تعاملنا اليومي إلَّا أرقام الملايين فقد اعتقد أنَّ هذه الملايين لا تساوي شيئًا، وأنَّ حصولك على لقب مليونير هنا سهل ولا يتطلَّب شيئًا. وبِما أنَّه بعيدٌ كُلَّ البُعد، ومِثل ما يقال (مريّح نفسه) في كُلِّ ما يتعلَّق بموضوع الجمعيَّة التي قُمنا بتكوينها وعن عمليَّات الشراء، فقد كان مجرَّد مستمع فقط ودُونَ مبالاة لهذا الأمْرِ. باختصار، مكيِّف ومخلِّي الأمور كُلِّها على غيره، وكان عندما يحتاج إلى شراء شيء ما نعمل على مساعدته وتوضيح الأمْرِ له، ولكن للأسف دُونَ جدوى، فالاتكاليَّة سِمة لصيقة به، وكُلُّ مَن سافر يعرف هذه النوعيَّة من البَشر الذين يريدون أن يدفعوا حصَّتهم فقط، ولا يريدوا القيام بأيِّ دَوْرٍ حتى لو كان هذا الدَّور سيُفيدهم في نهاية الأمْرِ.
ولكن في إحدى المرَّات والتي ذهبنا فيها إلى أحد أكبر المُجمَّعات التجاريَّة في إندونيسيا، ونتيجة لانشغال الجميع بنفسه وبعمليَّة التبضُّع، فكُلٌّ منَّا أراد التسوُّق بمفرده لأخذ ما يريد من هدايا، وكاستغلالٍ للوقت أيضًا، عندها وقع صاحبنا في الفخِّ، ونتيجة عيشه في منطقة الراحة طوال مدَّة الرحلة ولَمْ يخبرنا إلَّا عند رجوعنا للفندق متفاخرًا بأنَّه اشترى «شورت» لأحد أولاده من علامة (ماركة) ملابس معروفة، وبأنَّه وجدها صفقة لا تُعوَّض، فاغتنم الفرصة. وعند سؤالنا له عن سعر الصفقة أجاب بأنَّها مجرَّد 3 ملايين روبيَّة. وهنا انعقدت ألسنتنا مع عقولنا عن تصديق الخبر، ولكنَّ الأدْهى والأمَرَّ الصَّدمة التي أصابته هو عندما أخبرناه بأنَّ هذا السِّعر يتجاوز المائة ريال عُماني، فما كان منَّا إلَّا العودة من جديد إلى المحلِّ وإرجاع (الشورت/ الصفقة) واستلام المبلغ، الذي ماطل البائع كثيرًا في عمليَّة إرجاعه، عندها طلبنا منه أن لا يشتريَ شيئًا إلَّا بوجودنا معه حتى لا يتكرَّر هذا الموقف مرَّة أخرى.
لقد سهَّلت التكنولوجيا حاليًّا الأمْرَ في هذا الجانب، وأضْحَت هنالك برامج متعدِّدة ومختلفة تيسِّر أمْرَ تحويل العملة لأيِّ دولة، وبالتَّالي أضْحت المقارنات والمعادلات التي كانت تستخدم سابقًا من الماضي، ولكنْ تظلُّ الإشكاليَّة هي نَفْسُها في الشخص الذي لا يريد أن يقوم بأيِّ دَوْر، حيث يعتقد البعض أنَّ هذا الأمْرَ صعبٌ وغير مفهوم، ويضع من العراقيل في ذهنه ما يجعله لا يستطيع خدمة نفْسِه قَبْل غيره.
المُهمُّ أنَّ صاحبنا تعلَّم الدَّرس جيِّدًا وبدأ يغيِّر من استراتيجيَّته في رحلاته، وأصبح أكثر قدرة على الاعتماد على نفْسِه ليس فقط فيما يتعلَّق بالعُملة، بل في مختلف الجوانب المتعلِّقة بطبيعة البلد المزار، وكيفيَّة تنظيم جدوَل سياحي مميَّز، وكُلُّ ما في الأمْرِ من تطوُّر يَعُودُ لـ»شورت» بـ3 ملايين روبيَّة.


د. خصيب بن عبدالله القريني
[email protected]