تخطو سلطنة عُمان خُطًى واثقة ومتَّزنة نَحْوَ تعزيز مكانتها الاقتصاديَّة ومركزها المالي، ولعلَّ التقرير الأخير لوكالة «ستاندرد آند بورز» خلال شهر أبريل الماضي بتعديل التصنيف الائتماني للسَّلطنة من مستقرَّة إلى إيجابيَّة بتثبيتها عند «BB»، دليل على فعاليَّة الإجراءات التي اتَّخذتها سلطنة عُمان خلال الفترة السابقة في الجوانب الماليَّة والاقتصاديَّة. كما أنَّ التقرير أشار إلى أنَّ السَّلطنة تمكَّنت فعليًّا من خفض حجْم الدَّيْن العاِّم من 60% إلى 40% فقط بَيْنَ عامَيْ 2021 و2022. كما توقَّعت الوكالة أن ينخفض الدَّيْن العامُّ بنسبة 37% من الناتج المحلِّي الإجمالي حتى نهاية العام الجاري 2023.
وفي الحقيقة، تلك النتائج الإيجابيَّة ستُعزِّز من مكانة سلطنة عُمان، ممَّا يعطي الثقة للبنوك العالميَّة بتقديم تسهيلات حَوْلَ تمويل المشاريع الاستراتيجيَّة المستقبليَّة بالسَّلطنة. ووفقًا للإحصاءات فإنَّ سلطنة عُمان حقَّقت فائضًا ماليًّا في عام 2022 بلغ 1.146 مليار ريال عُماني. تجدر الإشارة إلى أنَّ عائدات النفط والغاز تُمثِّل نَحْوَ 80% من إجمالي الإيرادات العامَّة. وبالرّغم من خطط تنويع مصادر الإيرادات لبعض القِطاعات كالسياحة والخدمات اللوجستيَّة، إلَّا أنَّ الاعتماد على النفط بشكلٍ كبير سيجعل السَّلطنة أكثر عرضة للمخاطر؛ نظرًا لتقلُّبات انخفاض أسعار النفط. ربَّما معظمنا يَعِي ما خلَّفته الأزمات الماليَّة والنَّكبات الاقتصاديَّة المتلاحقة، وبالخصوص تأثيرها في أغلب الأحيان على انهيار أسعار النفط، حيث برزت أهمِّية البحث عن مصادر دخل أخرى غير مرتبطة بالنفط، لذا سَعَى الكثير من الحكومات التي تعتمد على النفط إلى تقليص موازنتها خلال فترة الأزمات ممَّا حدَّ من تنفيذ عدد كبير من المشاريع الاستراتيجيَّة.
وفيما يخصُّ سلطنة عُمان فقد وضعت الحكومة توجُّهات منسجمة مع مستهدفات «رؤية عُمان 2040» والخطَّة الخمسيَّة العاشرة (2021- 2025) والتي تهدف إلى زيادة الإيرادات غير النفطيَّة، وتخفيض الإنفاق العامِّ لتحقيق الاستدامة الماليَّة من خلال تمكين القِطاع الخاصِّ للقيام بِدَوْرٍ أكبر في إدارة عجلة الاقتصاد. وفي هذا المقال سنركِّز بشكلٍ رئيس حَوْلَ تعزيز الشراكة بَيْنَ القِطاعَيْنِ العامِّ والخاصِّ للإسهام في تنفيذ المشاريع الاستراتيجيَّة في مختلف المجالات لتحقيق نتائج اقتصاديَّة فعَّالة، وتطوير مختلف جوانب التنمية الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة.
في الواقع نجد فجوة متزايدة بَيْنَ الإنفاق على البنية الأساسيَّة والاحتياجات. ولتقليل تلك الفجوة والتعامل مع قيود الإنفاق، أصبح من الضرورة تعزيز الشراكة مع القِطاع الخاصِّ، ليس فقط للإفادة من تقديم الدَّعم المالي من القِطاع الخاصِّ، بل الإفادة أيضًا من مستوى الكفاءة والخبرة المتاحة لدى القِطاع الخاصِّ في تنفيذ المشاريع الاستراتيجيَّة، ممَّا يخلق على المدى الطويل قِيمة الأموال المستثمرة. إنَّ تلك الشراكة تعمل على تخفيف الضغط المالي على الحكومة وتشجيع القِطاع الخاصِّ على المشاركة في تنفيذ المشاريع التنمويَّة.
وفي هذا الصدد، انتهجت سلطنة عُمان في ميزانيَّتها للعام الحالي 2023 مسارًا استراتيجيًّا للشراكة بَيْنَ القِطاعَيْنِ العامِّ والخاصِّ، حيث سَعَتْ وزارة الماليَّة بالتنسيق مع مختلف الوحدات الحكوميَّة إلى إشراك القِطاع الخاصِّ في تنفيذ مشاريع الشراكة؛ لتشجيع القِطاع الخاصِّ على الاستثمار بشكلٍ أكبر في مشاريع البنية الأساسيَّة والخدمات العامَّة. حيث تمَّ التركيز على عددٍ من المجالات كالتعليم والصحَّة والنَّقل والخدمات اللوجستيَّة، وقِطاعات الاتِّصالات وتكنولوجيا المعلومات، ومصايد الأسماك، والبنية الأساسيَّة. تُعدُّ تلك الخطوة اللبنة الأساسيَّة لتعزيز مبدأ الشراكة والذي سيعود بنتائج إيجابيَّة في المرحلة القادمة، ولتحقيق ذلك التوجُّه لا بُدَّ من التركيز خلال هذه المرحلة على متابعة تنفيذ تلك المشاريع وفق مؤشِّرات أداء محدَّدة؛ لنرى فعليًّا إسهام القِطاع الخاصِّ في تحقيق التنمية المستدامة. أمَّا الجانب الآخر فنرَى أنَّه لا بُدَّ من تفعيل المزيد من التكامل في مشاريع الشراكة الاستراتيجيَّة مع القِطاع الخاصِّ ووضع خطَّة استراتيجيَّة فعَّالة لمشاريع تنمويَّة أخرى للأعوام القادمة التي تخلق فرص عمل للمواطنين، وأيضًا تعمل على تعزيز النشاط الاقتصادي في مختلف الجوانب.
ختامًا، إنَّ عائدات النفط والغاز متذبذبة بَيْنَ الارتفاع والانخفاض لأسباب عديدة، وقد تتأثر بالكثير من العوامل السياسيَّة والاقتصاديَّة. ولاستدامة التنمية الاقتصاديَّة لسلطنة عُمان لا بُدَّ من تعزيز مبدأ الشراكة بَيْنَ القِطاعَيْنِ العامِّ والخاصِّ بشكلٍ أكبر خلال المرحلة القادمة.



د. يوسف بن خميس المبسلي
متخصص في العلوم المالية والاقتصاد