الكاتبة العمانية إشراق النهدية: للكاتب مقدرة على التقاط التفاصيل بصور أكبر

مسقط ـ العُمانية: الراصد لأعمال الكاتبة العُمانية إشراق النهدية، يجد ذلك التوافق مع محيط المكان وحيثياته، فهي تنقل القارئ من خلال أعمالها إلى الحياة البسيطة للإنسان، وتداخل تلك الحياة مع السفر، حيث واقعه المعاش، وما يؤثث ذلك من رؤى وأفكار متقاطعة.. فالكاتبة التي صدر لها مجموعات قصصية سابقة من بينها (الأحمر) و(خرفجت) و(روزيشيا) و(أمواج ريسوت)، بالإضافة إلى الحديثة منها وهي (أيام من مكونو وكورونا)، دائما ما تأتي لتقول حكاياتها وفق طابع سردي مغاير.
وفي هذا السياق تتحدث الكاتبة عن المختلف في مجموعة (أيام من مكونو وكورونا) عما سبقها من إصدارات في سياق السرد لديها، والكيفية التي اتخذتها لمعالجة أفكارها، وتشير: هذه المجموعة هي السادسة بالنسبة لي، وكان لابد من تعميق التجربة بحيث تتناسب مع التطور الطبيعي لأي كاتب يستمر في محاولات الكتابة والتجريب، وخلال فترة كتابتها تعايشنا جائحة كورونا التي أثرت بشكل حتمي على البشرية أجمعها بما بثته من مخاوف ورهبة وتغيير لنمط الحياة والتفكير لدى الأغلبية.
وتضيف في هذا السياق: قبلها كنت قد صممت الكتابة عن إعصار مكونو، وما رافقه من حالة أدت إلى معايشة ظروف قاهرة، وبالتحديد نحن في ظفار تأثرنا كثيرًا بالمنخفضات والأعاصير، التي تمر علينا بشكل دوري ومتكرر، كنا ننام على الأسِرَّة، ونستفيق صباحا على المياه التي غمرت بيوتنا، ولا نعرف كيف تسللت إلينا رغم مراعاة الاحتياط والجذر، تلك الأيام أثرت بي بشكل بالغ خاصة فيما تركته من أحاسيس ومشاعر مهيبة، وكنت ساعتها أتخذ قرارات مصيرية للتغيير تحت ضغط القرب من الهلاك عندما تمر عليك قوى طبيعية قد تودي بحياتك وحياة من تحبهم، وخلال وقت مكونو كنت أحتفظ وأجمع كل الأخبار والمشاهد والمقاطع المتداولة في الميديا لأكتب عنها لاحقا. ومع كورونا وجدت نفسي أمام حادثتين مرَّتا على ظفار. وأتذكر أحدهم سألني عندما رآني أكتب قائلًا: أتكتبين عن الكوارث فقط؟.
فتولد لدي وعي وأهمية الكتابة عن الأحداث المهمة المصيرية الجماعية كهذه، خاصة حينما ينتج عنها تغييرًا ملموسًا وتأثيرًا يترك أثرًا من الفقد والخسارة من جراء الوفيات والغرقى والمفقودين، مما نتج عن ذلك أسر بأحداث مأساوية قابلة للسرد والذكر للأجيال القادمة. فكتبت هذه المجموعة في قالب قصصي متخيل، ولكن ظلت العواطف والمشاعر بذاكرة طازجة، وكأن الأحداث مرت بالأمس، وبدا خيالي غارقًا في التفكير بالتفاصيل.
وفيما يتعلق باهتمام الكاتب بذائقة معينة، أو يضع اعتبارًا معينًا عندما يبدأ في صياغة مشروعه الأدبي، تشير النهدية: ينبغي على الكاتب أو القاصّ أن يكتب ما يشاء بطريقة مناسبة، ومن ثم قد ينشره أو قد لا ينشره وهذه حرية خاصة بالكاتب، وغالبا ما تحوي كتاباته على أفكاره الخاصة، ونظرته للأمور وربما بعض من مواقفه في الحياة، أو تحوي أحداثا شاهدها، ولامست قلبه أو خاطبت عقله، فيقوم بتدوين تجاربه أو تجارب الآخرين. والكتابة تصنع الجمال في الحياة.
وتؤكد: يعد إيجاد المتعة والتشويق هو الدور الأساسي التي تقوم من أجله الكتابة، ولو تم من خلاله تمرير رسائل للمجتمع سيكون أمرًا مذهلًا؛ بحيث يؤثر في المجتمع، ويساعد على إصلاحه بطريقة أو بأخرى، فالأفكار غالبا ما تهاجم الكاتب، وأحيانا تستوقفنا الأحداث العابرة والصغيرة، فيومياتنا لا تشابه يوميات شخص عادي، وللكاتب من وجهة نظري مقدرة على التقاط التفاصيل بصور أكبر وأعمق، ربما لهذا نكتب، ولأننا نستشعر ونلتقط كل ما هو غائب عن الآخرين.
وتنقل النهدية للحديث عن التقنية التي إشراق في كتابة أعمالها السردية، وتوضح: أحاول أن أصقل أدوات وتقنيات الكتابة لدي، وأرغب دائما أن أضيف لمسيرتي مع الكتابة مهارة وخبرة أوسع، أن أصل إلى مرحلة الرضى عن نفسي ككاتبة ملمّة، مع ذلك تهمني ردود أفعال القرّاء كثيرًا، وأهتم بها جميعها، وأحب تفاعلهم ورأيهم عما أكتبه، وأرغب فعلًا أن يتصيدوا أخطائي، ويشيروا إلى مواطن الضعف لدي، لأنهم بذلك يطورونني ويحسِّنون من أدائي ككاتبة.
وفي ختام حديثها، تقترب النهدية من عالمية النص العُماني، وما إذا تحققت ماهيته في هكذا مسار وهنا تقرّبنا من المشهد: إن العلم والقراءة هما المنطلق في الحركة الثقافية، فإقبال القراء على النهل من الكتب تفتح للإنسان آفاق من الوعي والنضج، ونحن بوجود حكومة رشيدة مهتمة بالأدب شكلت رمزًا ومثالًا ومنبرًا للحكمة والثقافة فكان من الطبيعي أن ينهض المجتمع العُماني في مجالاته كافة، وإنَّ البيئة العُمانية خصبة للسرد بكل أحداثها ووقائعها، ووجود نخبة قديرة وأقلام متمكنة ومهتمة بجد وإخلاص استطاعت نقل صور من الواقع بشكل سردي جميل استطاع تحقيق نجاح وتفوق في هذا المضمار، كما أنه ساعد في تطور الحركة الثقافية والأدبية العُمانية والعربية، وفن السرد في عُمان معروف وقوي، وله خصوصية يجذب القراء من خلال دوره في نشر المفاهيم الاجتماعية، ونقل صورة عُمان إلى القارئ خارجيًّا، وإن السرد نشط بسبب الكتّاب أنفسهم ممن كان لديهم الشغف، فكانت عقولهم واعية فقرأوا و كتبوا، إذ كانت عوامل القراءة والفضول على الأدب الغربي والعربي لها دورًا كبيرًا، وبشكل عام، الكاتب العُماني قوي يصقل مهاراته، و أيضا يقوم بالبحث والتعلم و الدراسة ودائما ما يحاول أن يطور من نفسه. فنجد الأدب العُماني بشكل عام يحقق المراكز الأولى في أغلب المسابقات، ويصل إلى القوائم الطويلة والقصيرة، ويظهر بشكل مشرف وراقٍ جدا في شتى المجالات، وهذا مدعاة للفخر والاعتزاز.