تعمل سلطنة عمان بتوجيهات من حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ على ربط العلاقات الدبلوماسيَّة القائمة على الأخوَّة والصداقة والاحترام المتبادل، التي تجمع سلطنة عُمان مع محيطها الإقليمي والعالمي بعلاقات تعاون بنَّاء مثمر يُعزِّز التوجُّهات التنمويَّة لشعوب المنطقة والعالم، وعملت سواء من خلال الزيارات الرَّسميَّة لجلالة السُّلطان أو استضافة جلالته لقادة الدوَل، أو عَبْرَ البعثات الدبلوماسيَّة العُمانيَّة المنتشرة في أصقاع الأرض طولًا وعرضًا، على تفعيل ما يعرف بالدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة، التي تُعزِّز التعاون الاقتصادي في شتَّى المجالات، وتعمل على رفع التبادل التجاري الثنائي مع مختلف الدوَل، وتسعى إلى جذب المزيد من رؤوس الأموال المستثمرة، لتحقيق رؤيتها الوطنية الطموحة عُمان 2040، وتفعيل التنويع الاقتصادي المأمول.
ورغم هذه السياسة التي باتت واضحة المعالم منذ تَولِّي جلالة السُّلطان مقالي الحُكم، إلَّا أنَّنا لا نستطيع تجاهل الدَّور السياسي الذي تؤدِّيه تلك الزيارات السَّامية، في تفعيل التعاون السياسي بَيْنَ السَّلطنة والدوَل الصَّديقة والشَّقيقة، والذي يسعى إلى ما هو أكثر من المكاسب الثنائيَّة، لكنَّه أضحى بشهادة القاصي والدَّاني صمام أمان المنطقة، والدافع الحقيقي الواضح نَحْوَ تحقيق الأمن والاستقرار في هذه المنطقة المبتلاة بالعديد من الصراعات والتحدِّيات، والتي يتطلب حلُّها وإعادة اللحمة بَيْنَ دوَلها، خصوصًا الدوَل المؤثِّرة ذات الثقل، جهودًا مضاعفة من الجانب العُماني، الذي اختار طواعية أن يؤدِّي دَورًا تصالحيًّا، يجمع به الفرقاء بصبر وجهد بات محلَّ تقدير إقليمي ودولي.
لذا لن أتفاجأ أن تكُونَ النتيجة المباشرة لتلك الجولة السَّامية التي بدأت بزيارة مصر وانتهت بزيارة إيران، هي عودة العلاقات الدبلوماسيَّة المصريَّة الإيرانيَّة، المقطوعة منذ عقود طويلة. صحيح أنَّ تلك العودة في العلاقات قد تتأخَّر قليلًا، لكنَّنا اعتدنا من الوساطة العُمانيَّة، بجانب عدم الإعلان عن خطواتها إلَّا بعد أن تكلَّل بنجاح، على الاستفادة من عامل الوقت، والسَّعي بجهود مضنية نَحْوَ الحلحلة الكاملة، مع الأخذ في الاعتبار كافَّة التفاصيل التي يُمكِن أن تعيقَ هذا الحلَّ، أو تؤثِّر عليه بانتكاسة في المستقبل، لذا لا يُمكِن تجاهل دَوريَّة الزيارتَيْنِ، ولا ننتظر إعلانًا سريعًا عن الجهود الدبلوماسيَّة العُمانيَّة الكتومة بطبعها.
فكم من قضايا كبرى وملفات مستعصية في المنطقة والعالم، استطاعت الدبلوماسيَّة العُمانيَّة إدارتها والوصول لحلول مرحليَّة ونهائيَّة، ولم يعرف العالم هذا الدَّور أو يتمَّ الإعلان عنه، إلَّا من خلال الشكر الذي يوجِّهه أطراف النزاع للجهود العُمانيَّة التي سعَتْ إلى الحلِّ، ويأتي ملف العلاقات بَيْنَ القاهرة وطهران كواحد من هذه الملفات الصَّعبة التي تدرك سلطنة عُمان مدى صعوبته وأبعاده، لذا كانت جهود رأب الصدع تأتي من قمَّة القيادة العُمانيَّة، التي أعتقد أنَّ ملف المصالحة هذا قد تمَّ طرحه في القمَّتَيْنِ، فالمنطقة الآن في أشدِّ الحاجة لأن تمتدَّ المصالحة الخليجيَّة الإيرانيَّة على المحيط العربي، خصوصًا مع ما تُمثِّله مصر وإيران من ثقل إقليمي وعالمي، سوف يدفع عجلة التنمية وسيُعزِّز التعاون.


إبراهيم بدوي
[email protected]