الزيارة التاريخيَّة التي قام بها جلالة السُّلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ للجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة، جاءت في إطار علاقات حُسن الجوار المتميِّزة التي تربط الدولتَيْنِ، وتعزيزا للتعاون والتنسيق المستمرِّ بَيْنَ البلدَيْنِ من أجْل تبريد الملفات الساخنة وحلِّ القضايا العالقة في المنطقة والعالم. وقد سبق الزيارة وبأوامر سامية من جلالة السُّلطان المُعظَّم ومن منطلق إنساني، نجاح الوساطة العُمانيَّة بَيْنَ إيران وبلجيكا لتبادل رعايا متحفَّظ عليهم في البلدَيْنِ، ضِمْن مبادرات عُمانيَّة إنسانيَّة تكرَّرت خلال السنوات الماضية.
وطوال العقود الماضية استثمرت سلطنة عُمان العلاقات الطيِّبة التي تربطها بإيران من أجْل أن يسودَ السَّلام، ويعمَّ الأمن والتعاون والثقة ولغة الحوار بَيْنَ إيران ودوَل المنطقة، بدلًا من التناحر والصراع والتشكيك في النيَّات، الذي لن تجنيَ من ورائه المنطقة سوى الخراب والفقر والتدخلات الأجنبيَّة. زار جلالة السُّلطان إيران وسط أجواء تفاؤل تسود المنطقة، بعد تحسُّن العلاقات الإيرانيَّة الخليجيَّة، وتزايد الآمال بانعكاس هذا التقارب في الوصول لتسوية للأزمة اليمنيَّة، التي تقوم عُمان بِدَوْر محوري لإنهائها وتقريب وجهات النظر بَيْنَ الأطراف المتصارعة، وإنهاء مأساة 30 مليون يمني عانوا من ويلات الحرب طوال السنوات السابقة. أصبحت مسقط مركزًا للمحادثات والتسويات السلميَّة؛ بفضل السمعة التي اكتسبتها الدبلوماسيَّة العُمانيَّة على مدار العقود الماضية كوسيط نزيهٍ متجرِّد من الأطماع والأهواء، لا يسعى إلى دعاية أو «بروباجندا فارغة»، بل تحرِّكها رغبة مُخلِصة وأهداف نبيلة في مسعاها لإنهاء الأزمات الإقليميَّة والعالميَّة، وتحوَّلت عُمان بفضل هذه السياسة الحكيمة لوسيط خير موثوق، يحظى باحترام وثقة سائر دوَل العالم. وما زالت الدبلوماسيَّة العُمانيَّة تبذل جهودًا حثيثة ـ غير معلنة ـ لإقناع أطراف الملف النووي الإيراني بالعودة مجددًا لطاولة الحوار، وتقريب وجهات النظر بَيْنَ الأطراف المعنيَّة، في مسعى لتمكينها من التوصل لاتِّفاق عادل ومُرْضٍ للطرفَيْنِ، وهو نفس الدَّور الذي سبق وأدَّته سلطنة عُمان من قَبل، وكان وراء التوصل إلى اتفاق بَيْنَ إيران والمجموعة الدوليَّة في لوزان السويسريَّة في العام 2015م، بعد نجاح الوساطة العُمانيَّة في جمع الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة وإيران على مائدة مفاوضات واحدة بمسقط العام في 2012م، بعد سنوات طويلة من القطيعة والعداء. مع مرور الزمن وتوالي الأحداث، أثبتت التجارب صواب ونجاح السياسة العُمانيَّة في التعامل مع الأزمات العديدة التي مرَّت بالمنطقة، وأنَّ السنوات والنفقات التي ضاعت سدى في تزكية الصراعات وتأجيج الخلافات، لم ولن تجديَ في تحقيق الأمن والاستقرار لدوَل المنطقة، وأنَّ إيران جارة قديمة بحُكم التاريخ والجغرافيا، ونفس الشيء دوَل الخليج، ولا مفرَّ من التعامل والحوار بَيْنَهما، وتغليب صوت العقل والمصالح المشتركة، والاحترام المتبادل وعدم التدخُّل في الشؤون الداخليَّة، وعدم إعطاء فرصة للتدخلات الأجنبيَّة. كما جاءت الزيارة السَّامية، في وقت تشهد العلاقات الاقتصاديَّة بَيْنَ البلدَيْنِ تناميًا مطَّردًا، حيث تعدَّى حجم التبادل التجاري بَيْنَهما في العام 2022 مليارَيْ دولار، وهناك خطَّة طموحة يسعى لتنفيذها البَلدانِ للوصول بحجم التجارة البَيْنَية إلى 5 مليارات دولار، واستغلال الموقع الجغرافي والميزات النسبيَّة والثروات الطبيعيَّة التي يمتلكها البَلدانِ، في مجالات النفط والغاز والنقل والمواصلات والموانئ والنقل البحري، والاستفادة من الثروات الحيوانيَّة والزراعيَّة والخبرات العِلميَّة التي تمتلكها إيران والقدرات اللوجستيَّة المتطوِّرة الموجودة بموانئ سلطنة عُمان، في تخزين الحبوب وتحقيق الأمن الغذائي لدوَل المنطقة.



محمد عبد الصادق
[email protected]
كاتب صحفي مصري