لا يشعر الجندي الأميركي "كريس كايل" بالندم لأنه قتل 255 شخصا من بينهم 160 عراقيا، رجالا وأطفالا ونساء، هذا ما قا له لطبيبه النفسي، والطبيب بدوره لا يخفي إعجابه!
أهي قصة فيلم أم عن واقع أتحدث ؟ كلاهما !
والفيلم "قناص أميركي" الذي حقق أعلى الإيرادات في دور العرض بالولايات المتحدة خلال الأسابيع الماضية ، مقتبس من السيرة الذاتية لجندي البحرية الأميركية "كريس كايل" أكثر الرماة فتكا في تاريخ العسكرية الأميركية، كما نوه مخرجه الممثل العجوز "كلينت ستوود"، أما الجندي فقد قام بدوره نجم هوليوود "برادلي كوبر".
وحتى لو لم يكن الفيلم متكئا على قصة حقيقية ، فهو يستمد "واقعيته " من تلك المشاعر السلبية التي تنتشر بين قطاعات من الأميركيين تجاه العرب والمسلمين، على الفيس بوك كتب الأميركي كريس كوسبي هذه العبارة" " توقفت عن صيد الغزلان، لقد استسلمت. أظن أن صيد المسلمين سيكون أسهل في جميع الأحوال".
هل فعل جندي البحرية الأميركية" كريس كايل" في الفيلم وفي الواقع، شيئا مغايرا لما يقوله مواطنه "كريس كوسبي " في صفحته على الفيس بوك، قتل العرب ، رجالهم وأطفالهم ونسائهم أسهل من صيد الغزلان ؟!
الفيلم أثار موجة من الانتقادات في الولايات المتحدة ، ليس محورها الرئيسي رفض نزعة العنصرية المقيتة التي ينضح بها الفيلم ضد العرب ، قد تكون ثمة أصوات وجهت انتقاداتها للفيلم ومخرجه كلينت ستوود من هذا المنطلق، مثلما جاء في بيان اللجنة الأميركية العربية لمناهضة التمييز والتي قالت إن عرض الفيلم أدى إلى زيادة موجة التهديدات ضد العرب والمسلمين في الولايات المتحدة، اللجنة ومنظمات أخرى اتهمت كلينت إيستوود بالربط غير الصادق بين العراق وهجمات الحادي عشر من سبتمبر ."رغم مرور 14 سنة على أحداث 11 سبتمبر لم يستطع الأميركيون تقديم دليل واحد على أن لبغداد علاقة بهذه الهجمات"، والراجح في الأدبيات السياسية أن إدارة الرئيس الأسبق بوش غزت العراق تحت إلحاح وضغوط اللوبي الصهيوني لتدمير الجيش العراقي".
لكن الانتقادات الأكثر بروزا هو أن الفيلم يكرس قيمة العنف ويمجد سفاحا ويجعل منه بطلا !،
فالصحفي الأميركي مات تايبي من مجلة رولينغ ستون انتقد التصوير السياسي للفيلم ، بينما قارن كريس هيدجز محتوى الفيلم بتنظيم الدولة الإسلامية. منتقداً قصته لاحتفائها بثقافة الأسلحة وتعزيز العشق الأعمى للجيش، زيد جيلاني من موقع "صالون" عاد إلى القصة الحقيقية لمذكرات الجندي "كايل" الذي يتناول الفيلم سيرته الذاتية، وقال بأن كلا من الفيلم وسيرة "كايل" يرتكز على مجموعة من أنصاف الحقائق والخرافات والأكاذيب، ماكس بلومنتال قال إن الفيلم من بدايته إلى نهايته مليء بالأكاذيب والتشويه، ويصنع بطلاً من كذاب وسفاح "والمقصود الجندي كريس كايل" !
لقد دافع الممثل "برادلي كوبر" الذي أدى دور "كريس كايل " عن الفيلم ، ونفى تماما وجود أي أبعاد سياسية له، وقال في مقابلات صحفية "الفيلم ببساطة يعرض محنة جندي ويوفر دراسة شخصية عن معاناته.
وقد تكون وجهة نظر "برادلي كوبر" صائبة ، ما عرضه "كلينت ستوود " في فيلمه ما هو إلا محنة جندي في البحرية الأميركية، ولا شأن له بالسياسة ، لكن "محنة " هذا الجندي تتمثل مثلما قال البعض أو كما أشار هو في مذكراته في تحقيق "الرجولة" ، أن يكون رجلا ، وبالصدفة البحتة أن أحد ميادين إثبات رجولته كان العراق ، حيث قتل 160عراقيا ، من بينهم أطفال ونساء. وربما لو فعل هذا في ميدان آخر غير العراق ، غير أي بلد عربي مسلم ، في بيرو أو فيتنام مثلا لوصلت الرسالة التي يقال إن المخرج " كلينت ستوود" أراد أن يبثها عبر فيلمه ، أن هذا الجندي مريض ، يعاني محنة ، لكن لأن غالبية ضحايا "كريس كايل " من العرب والمسلمين بلغت الرسالة إلى غالبية المشاهدين في صورة مغايرة تماما ، أنه ليس في محنة ، بل بطل ، قتل من الإرهابيين العرب 160! وهذا ما بدا جليا في ردود أفعال الكثير من المشاهدين .
الصحفية رانيا خالق وجهت بعض الانتقادات للفيلم على حسابها في تويتر، حيث قالت إن الفيلم دعاية خطيرة تهدف إلى تبييض صورة قاتل مجرم ، وأن "كايل" كان سفاك دماء لا يظهر الندم، وأفعاله تتغذى من كراهيته وتعصبه الأعمى وحماسه لقتل "المتوحشين العراقيين"
فماذا كان رد الفعل على ما كتبته الصحفية الأميركية ؟، سيل من الشتائم ، بل والتهديد بالقتل !حيث خاطبها أحدهم "يجب قتلكِ بالرصاص؛ اخدمينا جميعًا واقتلي نفسكِ"، ولم تقتصر التهديدات المناصرة لكايل على حساب رانيا، بل أكدت صحيفة "ألترنت " تعرضها لمثل هذه التهديدات، عقب نشرها لتغريدات تنتقد "كريس كايل" ونشرت الصحيفة بيانًا على موقعها تستهجن فيه ردود الأفعال الهمجية التي نجمت عن انتقاد "كايل".
والحكاية عمرها من عمر سينما هوليوود، أكثر من مئة عام ، حيث سعت السينما الأميركية عبر مئات الأفلام تشويه العرب ، وتقديمهم كقوم من البدائيين الهمجيين المتعصبين ، تلك الصور والأفكار المغلوطة عن العرب من أهم القضايا التي تشغل البروفيسور الأميركي اللبناني الأصل جاك شاهين أستاذ الاجتماع بجامعة ألينوي، وتعرض لها في كتابه المهم "العرب السيئون" الصادر عام 2001 ، وقبل هجمات سبتمبر بشهرين .
فمن بين تسعمئة فيلم أميركي - من عصر السينما الصامتة وحتى عصر الأفلام الحديثة - لم يجد المؤلف سوى 12 فيلما تنصف الشخصية العربية، في حين تروج الغالبية العظمى صورا سلبية ، والإلحاح على أن العربي مناوئ للقيم الحضارية ومصدر للتهديد، لذا فهو يستحق القتل بلا شفقة أو رحمة.
ويرى شاهين أن مئات الأفلام التي ترجع إلى عام 1914 تصور العرب وكأنهم "شر خالص" مشيرا إلى فيلم "قواعد الاشتباك" الذي أنتجته شركة باراماونت عام 2000 باعتباره فيلما يعزز الصور النمطية التي ألحقت ضررا تاريخيا ويشجع على تصوير العرب بشكل عام وخطر بأنهم معادون متطرفون بشدة للأميركيين.
ويبدأ الفيلم بمشاهد تعرض لأطفال ونساء عرب يرتدين البرقع وهم يطلقون النار على السفارة الأميركية في العاصمة اليمنية صنعاء، وضابط في الجيش الأميركي يعطي أوامره بإطلاق النار على المدنيين. ويكتب شاهين قائلا إن ذلك الفيلم و13 فيلما آخر تعرض أميركيين يقتلون عربا، وتلتزم هوليود الصمت بخصوص الموضوع كله.
ويخلص شاهين في نهاية كتابه إلى أن العرب يبدون متخلفين وخطرين عند النظر إليهم عبر عدسات هوليوود المشوهة.
ويقول شاهين إن هوليود لم تستثن أيضا العرب الأميركيين إذ يقول "هناك أقل من 20 فيلما أنتجت يظهر فيها أميركيون من أصل عربي أو يمكن التعرف عليهم، وتعرض لنا معظم هذه الصور نسخا بالكربون للصورة النمطية للمسلمين العرب".
وينوه شاهين إلى أن الإدارة السياسية والعسكرية والسينمائية في أميركا تتبع بعضها بعضاً، بحيث يؤثر كل منها في الآخر. فالسياسة تؤكد تشويه صورة العربي، بينما تعطي ذرائع لهذا التشويه، وتكون النتيجة النهائية أن تستقر الصورة في وجدان المتفرج الأميركي والغربي عموماً، . تلك الصورة النمطية التي تنزع عن العربي ملامحه الإنسانية، وتحوله إلى مجرد "كائن" له صفات سلبية شريرة كما فعلت السينما الأميركية مع الهنود الحمر، ومع عرقيات وجماعات بشرية أخرى كاليهود والصينيين.
لكن لأن لدى هذه الجماعات في الولايات المتحدة وخارجها ما يكفي من أسلحة المواجهة والتي تمكنها من أن تزجر هوليوود والإعلام الأميركي بشكل عام إن لجأ إلى تشويهها لم تعد تعاني من مشكلة تشكيل صور مغلوطة عنها من قبل الميديا في الوجدان الجمعي الأميركي ،
بل أن المنظمات الصهيونية ، وفي صدارتها منظمة العلاقات العامة الأميركية الإسرائيلية "إيباك " أصبحت تملك قدرا هائلا من الـتأثير الذي يجعلها توجه أعضاء الكونجرس كيفما شاءت ، وتدفع البيت الأبيض إلى اتخاذ قرارات مصيرية طبقا لمشيئة إسرائيل ، كما حدث في الحملة على العراق ، وهي الحملة التي كان القاتل" كريس كايل " أحد جنودها ، ببندقيته اقتنص 160 عراقيا طبقا لوثائق البنتاجون ، من بينهم العشرات من الأطفال والنساء ، لتحتفي به هوليوود في "فيلم "القناص الأميركي "، فيستقبل الجمهور الفيلم بحفاوة بالغة لأنه يمجد سيرة بطل أميركيا، قتل 160 إرهابيا عربيا!
أين سياسيونا وإعلامنا وكتابنا وأموالنا ، من تلك المهزلة ؟!

محمد القصبي