لطالما كان ذلك الفرد يتناول طعامه، ولعقود ولَّت حتى الآن بشكلٍ مسرع. فيتناول وجبته الغذائيَّة بلقمات كبيرة، وفي تتابع سريع واستمرار غريب لذلك المضغ، في الوقت الذي يستغرقه الآخرون للحصول على ثلث وجبتهم، يكون ذلك الفرد قد أنهى وجبته بالفعل. ولعلِّي قد أطلق على تلك المقاربة ـ عذرًا ـ في تناول الطعام بالهواء المضغوط، بل وتذكِّرنا بالأسماك التي تتغذَّى بالشفط! كيف لا؟ وغالبًا ما يعلِّق القريب من ذلك الفرد، بأنْ يتمهل، بل وربَّما أحيانًّا ينادي أحد الوالدين على ذلك الابن في مأدبة الطعام قائلين: ألَا تعلم أنَّ الأكل السريع مضرٌّ لك؟
وعلى الأقل سمعنا وعلى مدى سنوات طويلة، وبالنظر إلى العديد من الدراسات أنَّ الأشخاص الذين يأكلون بشكلٍ أسرع هم أكثر عرضةً لاستهلاك المزيد من السعرات الحراريَّة وزيادة الوزن. وهم أيضًا أكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم ومرض السكري.
والحقيقة أنَّ الشعار الشائع (كُلْ ببُطء) ربَّما لا يكون نهائيًّا كما يبدو للوهلة الأولى. فالأشخاص الذين يتناولون وجبات سريعة ليسوا بالضرورة محكومًا عليهم بالمرض، حيث يُمكِن للكثيرين منَّا أن يستمرُّوا في تناول وجباتهم بأمانٍ وسعادة. ولعلِّي ـ أذكر ذلك ـ لأنَّه تعتمد معظم الدراسات تلك التي تفحص سرعة الأكل على الملاحظات على مستوى السكَّان المأخوذة في نقاط زمنيَّة محدَّدة، بدلًا من التجارب السريريَّة الموسَّعة! مع ذلك ففكرة أنَّ تناول الطعام بسرعة كبيرة قد يزيد من مخاطر صحيَّة معيَّنة هو أمْرٌ منطقي تمامُا.
وبالتالي ـ إذا استطعت تبسيط تلك الفكرة ـ فإنَّ عدم التوافق المحتمل بَيْنَ معدَّل استهلاكنا للأكل ومعدَّل إدراكنا لها ومعالجتها هو المفتاح في كُلِّ هذا الاضطراب. بمعنى، أنَّ دماغنا لا يسجِّل الامتلاء حتى يتلقَّى سلسلة من الإشارات من الجهاز الهضمي: المضغ في الفم، والبلع ثمَّ انتفاخ في المَعِدة. وهكذا. فتخيَّل معي أنَّك ـ ما شاء الله ـ قُمتَ بإغراق الجهاز الهضمي بكميَّة كبيرة من الطعام في وقت واحد، فستُواجه هذه الإشارات حتمًا صعوبة في مواكبة ذلك. وهكذا فتناوُل الطعام السريع أيضًا سيُساعد على إغراق الدم بالسكَّر، وهي بشكلٍ ما مقدِّمة شائعة لمرض السكَّري.
بطبيعة الحال، إلى الآن لا يمتلك العلماء حتى تعريفات عالميَّة لماهيَّة الأكل (البطيء) أو (السريع) أو حتى كيفيَّة قياسه! ولكن في الكثير من الظروف، يأتي التباطؤ مصحوبًا بمزايا، أقلُّها أنَّه يُمكِن أن يحدَّ من خطر الاختناق أو الغازات الزائدة!
وهنا لا أؤكِّد أو أعني أنَّ تناول الطعام ببُطء يجِبُ أن يكونَ أمرًا شاملًا. فبالنسبة للأشخاص الذين يتناولون الكثير من الأطعمة الغنيَّة بالألياف ـ مثلًا ـ لا أعتقد حقيقة أنَّ المضغ البطيء له الكثير ليضيفه. وفي أحسن الأحوال، ربَّما تلك نصف الحقيقة، وقد نرى أنَّه أصبح من السَّهل استغلال ذلك!
ختامًا، اترك بَيْنَ يدَيْك هذه الكلمات، لتتمعَّن وتسأل نفسك: هل الأكل السريع مضرٌّ لك؟ خصوصًا وأنَّ النصيحة الواسعة الانتشار، للتباطؤ في تناول الوجبة الغذائيَّة ليست نهائيَّة ولا عالميَّة!



د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
[email protected]