أنا لا زلت أشكرك على لحظة كنتُ فيها كالفرس الجامح المنطلق باسمك تصريحاً، لا يرى أمامه عقبات المحسوس إلا شكلاً من أشكال السراب يخوض غماره، ويأمن ألا يبتلَّ حافره ببلة ماء فيه..فجئتِ تمسكين فجأة بلجام الفرس ليقف معتبرا بعالم لا يقتصر على وجودي ووجودك، فوقفتُ حينها كالمنتبه من حلم فتحت الدنيا له ذراعيها وقالت : هيت لك.
كنتِ محقةً يومها!! فلا داعي للتصريح والحب سر من أسرار الروح تفسده الصراحة كما يفسد الجوهرَ المكنون تعريضُه لكل يد لامسة. واجتهدتِ يومها على إبعادي عن محيطك الغالي خشية أن يجد كل من فقد عقله في أنفاسي فرصته ليمارس نزقه متربعاً على أريكة سوء الظن. لكنك فوجئتِ بأنك وأنت في مكانك تجري بك أنفاسي في كل مكان، فالأماكن تختلف، والكلمات تختلف، وكثرة الوجوه التي تقرأ كلامي ، وتجاور نبضي تختلف، وفي كل بقعة اختلاف أنثى عن أخرى، أما الشيء الوحيد الذي لا يختلف ما دامت السماوات والأرض فكونك حبي الوحيد لا أستعيض عنه في الكون بدلاً.
حرّمت على نفسي حينها ذكرك، ودفنت في أعمق مكان في سويداء قلبي اسمك، وهجرت كل اسم يشابه اسمك، وطاردتني ظنونك وأنا أختلف جيئة وذهابا إليك، حتى أدركني منك نفور ليس في محله، واختلاق بغض لي ليس على حقيقته، وفهم البعض أن أبغض المخلوقات لديك "أنا"، ولو التفت قليلا لعلم أنني صنو الماء في حياتك لا استغناء عنهما....أنا والماء.
موحش بعدي عنك، وموحش غيابك هذا المفاجيء ، والكون كله قطعة سوداء مظلمة من جسد غيابك الظلوم ..وموحش حالك الغريب معي، والذي حملني على ترك مساقط أنوارك لأنك لا تقولين: "أحبك" إلا بلغة "لا أحبك"، ولاتكتبين الشوق إلي إلا في صفحة من تبلد جليدي ميت الحس، ولا تجمعين كفيك لتسقيني من مائك إلا في كأس من تنور مسجور النار..لكنني أفهمك فوق فهم السذج، وأعلم أنك لا تمدين الحياة إلي إلا وتختبرين صبري على فقدها حين لا تتأتى من يديك، وفي فلسفة العطاء لديك فلسفة حبك القائمة على سقيا الماء بكاس من نار.

عتيق بن راشد الفلاسي
[email protected]