هل أوشكت الحروب التقليديَّة على الدخول في عمر الشيخوخة؟ أم أنَّ البَشريَّة ستشهد العديد منها؟
قد تبدو الإجابة عن ذلك سهلة، لكنَّ الدفين في السياسات الدوليَّة يبقى غير معروف وقد يحمل مفاجآت غير متوقَّعة. وبصورة عامَّة قد تكون المواجهة الروسيَّة الأطلسيَّة على الأرض الأوكرانيَّة آخر المواجهات والحروب العنيفة وربَّما إشعالها بالطريقة التي نشاهدها ونتابع تفاصيلها تهدف إلى إفراغ مخازن شركات السلاح الكبرى في العالم، التي يبلغ عددها ما يقرب من ثلاثين شركة عملاقة ومئات الشركات الأخرى التي تضخُّ السلاح إلى العالم ليتمَّ قتل وتشريد الملايين من البَشر.
سيطرت الأسلحة التقليديَّة مِثل الرماح والسيوف والنبال، وفي مرحلة لاحقة المدافع لعقود طويلة قَبل ظهور المدافع المتطوِّرة، وتحققت قفزة كبيرة جدًّا عندما دخل سلاح الطيران مطلع القرن العشرين ليفتك بالأهداف المدنيَّة والعسكريَّة، وخير شاهد على ذلك حجم الدمار في بريطانيا وأوروبا والعديد من دوَل العالم خلال الحربَيْنِ الأولى والثانية، وجرى تطوير مختلف أنواع الأسلحة في النصف الثاني من القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين، وبدُونِ شك حصل أخطر أنواع التطوير إبَّان الحرب الباردة بَيْنَ الاتِّحاد السوفيتي السابق والولايات المُتَّحدة، وتمَّ تجريب السلاح المدمِّر في احتلال أفغانستان 2001 وغزو العراق في العام 2003.
اللافت في الصراعات المسلَّحة الحديثة، أنَّ الذكاء الاصطناعي قد دخل بقوَّة في هذا الميدان، ويُمكِن القول إنَّ المواجهة في أوكرانيا قد شهدت ثنائيَّة بارزة في استخدام الأسلحة، والمقصود هنا السلاح التقليدي إلى جانب الأسلحة الإلكترونيَّة المتمثلة بقوَّة في الطائرات المسيَّرة، التي حققت الكثير من الأهداف الحربيَّة دُونَ الحاجة لوجود البَشر على متنها. وثمَّة أمثلة كثيرة زخرت بها وسائل الإعلام العالميَّة التي يأتي خبرها بعنوان (ضربة جوِّيَّة دقيقة نفَّذتها طائرات مسيَّرة بدُونِ طيَّار)، وفي الوقت الذي يتمُّ فيه تزويد روسيا وأوكرانيا بالأسلحة التقليديَّة، فإنَّ تجهيز طرفَي الصراع بهذا النَّوع من الطائرات بقي حاضرًا منذ اندلاع شرارة العمليَّة العسكريَّة في شباط ـ فبراير من العام الماضي (2022) وحتى الآن.
قد تكون هذه المواجهة الدائرة حاليًّا آخر المواجهات والحروب التقليديَّة، وبقدر ما يتراجع الاعتماد على الطائرات المقاتلة والصواريخ والدبَّابات المتطوِّرة التي يشغِّلها ويديرها البَشر المدرَّبون على استخدامها كلٌّ واختصاصه، فإنَّ الترجيحات تشير إلى أنَّ استخدام الأسلحة الإلكترونيَّة سيتسع بقوَّة نظرًا لدقَّته في تحقيق الأهداف، وفي تقليل نسبة الخسائر البَشريَّة التي تعمل على تلك الأسلحة إلى درجة الصفر، كما أنَّ التطوُّر في التقنيَّات وتحديدًا في قِطاع الذَّكاء الاصطناعي قد يضيف قدرات هائلة في وقت قريب.
كُلُّ ذلك يشي بتراجع استخدام الأسلحة التقليديَّة والتوجُّه بقوَّة للحروب الإلكترونيَّة.


وليد الزبيدي
كاتب عراقي
[email protected]