تعتبر من أبرز مناطق الاستيطان البشري في فترة ما قبل الميلاد وأهم المناطق الأثرية المكتشفة في السلطنة
القطع الأثرية الكثيرة التي عثر عليها في سمهرم تدلل على مستوى ثرائها

مسقط (العمانية):
تعتبر منطقة خور روري "سمهرم" بمحافظة ظفار اليوم من بين أهم المناطق الأثرية المكتشفة في السلطنة والتي توليها الحكومة اهتماما كبيرا نظرا للمكانة التاريخية التي تتمتع بها، ونظرا لاهتمام علماء العالم بها .
وكانت منطقة خور روري من أبرز مناطق الاستيطان البشري في فترة ما قبل الميلاد.
ولعبت تجارة اللبان من موانئ سمهرم والبليد ومرباط وحاسك دورا كبيرا أدى إلى ازدهار الممالك القديمة عبر طريق القوافل من ظفار إلى شبوه ومأرب والبتراء وصولا إلى بلاد الرافدين ومصر وسواحل البحر الأبيض المتوسط الجنوبية وشرقا إلى وادي الأندوس والصين إلا أن هذه المنطقة اختفت ولم تعد موجودة إلا في كتابات المؤرخين والعلماء لكن شهر يناير من عام 1895 كان يحمل مفاجآت حيث وصل العالم "ثيودر بنت" واكتشف أطلال مدينة قديمة حددها على الفور على أنها موشا ليمن المذكورة في كتاب بيربلوس وهي ميناء على ساحل ظفار ورد ذكره في كتاب الرحلات البحرية "بيريبلس". وبقيت كتابات "بنت" المعلومات الوحيدة المتوفرة عن المدينة والمنطقة المحيطة بها حتى عام 1952 عندما قدمت البعثة الأميركية لدراسة الجنس البشري يرأسها العالم "ويندل فيليبس" للقيام بأعمال التنقيب في
المنطقة.
وأكدت البعثة الأميركية في ذلك الوقت أن الموقع هو بالفعل مدينة موشا ليمن وحددوا تاريخها في القرون الثلاثة الميلادية الأولى لكن بعثة إيطالية أخرى أكدت بأن سمهرم تم تأسيسها في القرن الثالث قبل الميلاد. كما أن فترة اضمحلالها كانت في فترات زمنية متخطية نتائج البعثة الأميركية بحيث أصبحت الآن في القرن الخامس الميلادي، مما يعني أن هناك ثمانية قرون من تاريخ الاستيطان لهذا الميناء القديم.
الحكومة ممثلة في مكتب ممثل جلالة السلطان للشؤون الثقافية أعطت نتائج البعثة الإيطالية الكثير من الاهتمام لأنها بدت تتوافق مع متطلبات وقوانين منظمة اليونسكو والإيكوموس.
كانت سمهرم عبارة عن ميناء بحري وكانت خلال تاريخها الطويل على ارتباط مع اماكن بعيدة حول العالم مثل البحر المتوسط وشمال عُمان ومنطقة الخليج الهندي.
وتقع مدينة سمهرم المحصنة بجانب خور روري المطل على المحيط الهندي، ويحميها ميناء طبيعي بديع وتتوسط مناطق انتاج أجود أنواع اللبان.
كانت سمهرم مدينة ذات مساحة صغيرة لا تتعدى الهكتار الواحد ولكن الكثافة السكانية بها كانت عالية. وسور المدينة سميك جدا وبه فجوات ومجمع البوابة الرئيسية. كما أن المدينة كانت مقسمة إلى ضواح مختلفة، كالمنطقة السكنية وبها مبنى ضخم لحماية البئر ومنطقة تخزين البضائع التجارية في المخازن ومنطقة المعبد.
وتقع المنطقة السكنية بالقرب من مدخل المدينة، والمدخل في مجمع البوابة ضيق ومتعرج.
وتوجد بئر عمقها 25 مترا تتوسط الفناء المفتوح وهو مبني من الحجارة الملساء المسطحة مربعة الشكل. كما يوجد حوض من الحجر الجيري (الكلسي) بالقرب من البئر ومتصل به عن طريق قناة صغيرة. وكانت هناك أيضا قناة تصريف مبنية عبر جدار المبنى التذكاري وتمتد لتتخطى جدار المدينة لتصب في حوضين على مستويين مختلفين يستخدمان لسقي الحيوانات.
وخلال فترة استيطان المدينة والبالغة ثمانية قرون شهدت المدينة مراحل مختلفة من البناء، فعلى سبيل المثال يمكن تحديد مرحلتين مختلفتين جدا من البناء في المنطقة المحيطة بالبئر وحدها.
في القرن الخامس الميلادي قام السكان بهجر المدينة تدريجيا وذلك بسبب طمر اليابسة تدريجيا للخور في الموقع. ودلت القطع الأثرية الكثيرة التي تم العثور عليها في سمهرم على مستوى ثراء المدينة وكم كانت السلع متوفرة فيها بكثرة لدرجة أن السكان الذين هجروا الموقع أخيرا لم يتمكنوا من حمل كل شيء معهم.
بالإضافة إلى المعبد الرئيسي في المدينة عثرت البعثة الإيطالية على ضريح صغير بالقرب من المبنى التذكاري وتم العثور فيه على عدد من المباخر الجميلة وأكثرها إثارة للاهتمام.
كما تم ابقاء منطقة المخازن منفصلة عن باقي المدينة، و كانت البوابة البحرية وهي عبارة عن ممر ضيق عبر جدران المدينة، تستخدم كمدخل ثانوي للمدينة لتحميل البضائع من وإلى المدينة. أما المدخل الوحيد المؤدي لمنطقة المخازن من داخل المدينة فقد كان عبارة عن ممر ضيق به باب منحدر.
منذ بداياتها كانت سمهرم ميناء تجاريا عالميا، فموقعها الجغرافي استراتيجي للتجارة بين الحضارتين الهندية والرومانية فهي تقع تقريبا في منتصف المسافة بين الهند وروما بالإضافة إلى أنها قريبة جدا من مناطق إنتاج اللبان المشهورة.
وكانت السلع التجارية التي يتم تصديرها حاضرة في سمهرم منذ مراحلها الأولى وهي سلع ذات مردود اقتصادي كبير حتى أنها أصبحت محل دراسة في حقل العلوم الأثرية والمشاريع المشتركة من قبل الدارسين في هذه التخصصات. كما أن هناك دلائل على الصلة الوثيقة بين سمهرم ودول الخليج.
وتشير نتائج الدراسات على الفخار الهندي إلى أن الطرق التجارية البحرية بين الهند وشبه الجزيرة العربية تغيرت مع مرور الوقت من سمهرم إلى جنوب الهند قبل الميلاد وبعدها إلى الإقليم الشمالي الغربي خلال العصور الرومانية. وتم العثور على عدد كبير من المواد التي ترجع إلى منطقة حوض البحر المتوسط مثل المزهريات والجرار ذات الفوهة الواسعة.
كانت أهداف البعثة الأثرية الإيطالية في موسم العمل الأخير العام الماضي العثور على أقدم طبقات استيطان في المدينة، ومن أجل ذلك اجريت حفريات في المساحة التي أمام معبد إله القمر "سين" وعثر فيها على بقايا منشآت فسّرت على أنها متعددة الطوابق، وكذلك منشآت مرتطبة بتوزيع المياه، أمام المنطقة الواقعة بين المساحة التي أمام المعبد الرئيسي وسور المدينة فقد أظهر فحص المسبار وجود مستويات معمارية تحت الأرض ومجموعة من الأدوات التي تعود إلى مرحلة تأسيس المدينة مثل سيف من الحديد فوقه ترس سلحفاة عثر عليه فوق الحجر الصخري، وقد تكون لها علاقة بطقوس تأسيس المدينة كما يرى الباحثون الأثريون.
وتبدو اليوم سمهرم من بين المواقع الأثرية التي نالت الكثير من الاهتمام من قبل مكتب مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية وأثنى عشرات العلماء والباحثين من مختلف دول العالم الأسبوع الماضي خلال مؤتمر المتنزهات والمواقع الأثرية الذي نظمه مكتب مستشار جلالته في مدينة صلالة على الجهود الكبيرة التي تبذل من أجل الحفاظ على المواقع الأثرية والتي من بينها خور روري "سمهرم".