على مدار التاريخ البَشَريِّ سَعَى الإنسان إلى تطوير قدراته السِّياسيَّة والاقتصاديَّة عَبْرَ قدرته على الإبداع والتفكير السَّليم، فحدثت طفرات كبرى مِثل الثَّورة الصناعيَّة الأولى أو البخاريَّة التي سَعَى الإنسان من خلالها إلى الاستفادة من الماكينات لتعظيم الإنتاج في كافَّة المجالات وزيادته، وعمل منذ وقتها عَبْرَ سلسلة من الثَّورات الصناعيَّة على تطوُّر هذه المنظومة، وصولًا إلى الثَّورة الابتكاريَّة التي سَعَتْ إلى اختراع شيء ما يُمكِن أنْ يُحاكيَ العقل البَشَريَّ في التفكير، وكانت تلك الفرضيَّة ظاهرة في الأدب والسّينما منذ عقود طويلة، وتأرجحت تلك الفرضيَّة بَيْنَ مؤيِّد ومُعارِض، إلَّا أنَّه، وفي العام 2018، أصبح الذَّكاء الاصطناعي حقيقة، حيث نمَتْ تلك التكنولوجيا بشكلٍ كبير على أرض الواقع حتى أصبحت أداة رئيسة تدخل في صلب جميع القِطاعات .
ومع خروج الذَّكاء الاصطناعي من مختبرات البحوث، ودخوله في تفاصيل كثيرة في حياتنا اليوميَّة، وسَعْيِ العديد من المؤسَّسات والدوَل إلى استخدام تلك التقنية الجديدة في كافَّة مناحي الحياة، ما سيُحدث ثورة تقنيَّة قادرة على تغيير حياة البَشَر بسرعة هائلة. فالذَّكاء الاصطناعي يمرُّ بنُموٍّ هائل بفضل التطوُّر العِلمي الذي يسعى إلى إيجاد تطبيقات جديدة في عددٍ متزايد من القِطاعات، بما في ذلك الأمن والبيئة والبحث والتعليم والصحَّة والثقافة والتجارة إلى جانب الاستخدام المتزايد التعقيد للبيانات الضَّخمة. ويتوقع العديد من العلماء أنْ يُشكِّلَ الذَّكاء الاصطناعي انطلاقة جديدة من الحضارة الإنسانيَّة، وسيكُونَ بداية تاريخ جديد للتطوُّر الإنساني بشكلٍ أكثر تعقيدًا من التغيير الذي حدث إبَّان الثَّورة الصناعيَّة الكبرى بكافَّة مراحلها، لذا تحرص كافَّة الدوَل على تطوير تلك التقنيَّات، وإكساب مواطنيها المهارات الرَّقميَّة المطلوبة لإحداث تلك الطفرة.
وتأتي سلطنة عُمان على رأس الدوَل التي أدركت القِيمة الحقيقيَّة لتلك الطفرة، وعملت على إدماجها في خططها وبرامجها؛ انطلاقًا من الخطَّة الخمسيَّة العاشرة (2021 – 2025)، والتي أقرَّت أولويَّة تقنيَّة المعلومات والاتِّصالات، وعملت على زيادة مساهمة الاقتصاد الرَّقمي في الناتج المحلِّي الإجماليِّ بحلول عام 2040 إلى نَحْوِ 10%، وجاء إطلاق وزارة الاقتصاد للمبادرة الوطنيَّة لتمكين الاقتصاد الوطنيِّ المُعزَّز بالذَّكاء الاصطناعي خطوة جديدة تؤكِّد على الحتميَّة التي تفرضها التقنيَّات والتطبيقات المرتبطة بالذَّكاء الاصطناعي وضرورة توظيفها لخدمة تنافسيَّة وكفاءة الاقتصاد الوطنيِّ، وانطلاقًا من توقُّعات بعض النماذج الاقتصاديَّة التي تؤكِّد أنَّ الذَّكاء الاصطناعي من المُمكن أنْ يُضيفَ للأنشطة الاقتصاديَّة حوالي 13 تريليون دولار بحلول عام 2030.
كما تُظهر الأبحاث أنَّ 45% من إجماليِّ المكاسب الاقتصاديَّة بحلول عام 2030 ستأتي من تحسينات عَبْرَ تقنيَّات وتطبيقات الذَّكاء الاصطناعي الذي سيعمل على زيادة تخصيص وجاذبيَّة وتنوُّع المنتجات والخدمات، لذا حرصت الحكومة على إطلاق المبادرة التي تستهدف ربط المشروعات التنمويَّة واستفادتها من مجمل تقنيَّات وتطبيقات الذَّكاء الاصطناعي، بما يُحقِّق تسريع تحقيق مستهدفات قِطاعات التنويع الاقتصاديِّ، وتعزيز كفاءة الإنفاق الإنمائيِّ وتطوير الخدمات الحكوميَّة، وهو ما سيُمكِّن المؤسَّسات من الاستفادة أكثر من الاستثمار في هذه المعطيات التقنيَّة والانفتاح عليها، وتوظيفها لخدمة مختلف أنشطتها ومشروعاتها التنمويَّة.