أعاد الاحتفاء الشَّعبي بالجندي المصري، الذي قتل 3 جنود إسرائيليين، إلى الأذهان واقعة الجندي سليمان خاطر التي وقعت في ثمانينيَّات القرن الماضي، وأكَّد هذا الاحتفاء الشَّعبي وتصدُّر هاشتاجات متعلِّقة به على منصَّات التواصل الاجتماعي على المستوى المصري والعربي، بأنَّ جزءًا كبيرًا من الشَّعب المصري أو الأغلبيَّة العظمى على أقلِّ تقدير يرفض أيَّ علاقات طبيعيَّة مع الكيان الصهيوني ودولته العنصريَّة، وأنَّ محاولات التطبيع التي سَعَتْ إليها دولة الاحتلال الإسرائيلي قد باءت بالفشل، رغم أنَّ عمر اتفاقيَّة السَّلام قارب الـ45 عامًا، وهي فترة طويلة في حُكم العلاقات بَيْنَ الدوَل، كانت كفيلة بالقضاء على توتُّرات الحرب وإرهاصاتها، خصوصًا وأنَّ معظم المغرِّدين الذين شاركوا على منصَّات التواصل من فئة الشَّباب التي لم تعش حالة الصراع المصري الإسرائيلي.
إنَّ تلك الحادثة لو وضعت في سياقها الطبيعي الذي أعلنه الجيش المصري، وأنَّها جاءت نتيجة تبادل عنصر أمن إطلاق النار مع عناصر تهريب المخدرات، واخترق الحدود الإسرائيليَّة ما أدَّى إلى مقتل (3) أفراد من عناصر التأمين الإسرائيليَّة وإصابة (2) آخرين، بالإضافة إلى وفاة فرد التأمين المصري أثناء تبادل إطلاق النيران، وتأكيد الجانب المصري أنَّه يجري العمل لاتِّخاذ كافَّة إجراءات البحث والتفتيش والتأمين للمنطقة، واتِّخاذ الإجراءات القانونيَّة حيال الواقعة، بالإضافة إلى اتِّصال وزير الدفاع المصري بنظيره الإسرائيلي والتباحث معه عن الحادث، ومناقشة التنسيق المشترك لاتِّخاذ ما يلزم من إجراءات لمنع تكرار مِثل هذه الحوادث مستقبلًا، لتأكَّدنا جميعًا من عرضيَّة الحادث.
إلَّا أنَّ تلك العرضيَّة أظهرت نقاطًا عدَّة يجِبُ على الجانب الصهيوني قَبل المصري بحثُها، أوَّلها أنَّ احتفاء الوعي الجمعي المصري والعربي بتلك الحادثة، والتأكيد على بطولة الجندي، يأتي في سياق رفض مبطَّن لاتفاقيَّة السَّلام، والتي وإن حافظت على الأمن، لكنَّها لَمْ تُحدث اختراقًا حقيقيًّا في تطبيع العلاقات، ولا يزال المصريون والعرب يرفضون أيَّ علاقات طبيعيَّة مع الجانب الصهيوني، وذلك بالطبع نتيجة ما تمارسه دولة الاحتلال من عدوان وإرهاب ضدَّ الأشقَّاء في فلسطين وباقي الدوَل العربيَّة، ما جعل أجيالًا لَمْ تشاهد الصراع، وولدت وترعرعت في ظلِّ هذا السَّلام الضبابي، تلفظه نتيجة ما تشاهده من عدوان، خصوصًا الذي يُمارَس ضدَّ المقدسات في مدينة القدس المحتلَّة والتي لها مكانة دينيَّة في الذهنيَّة المصريَّة والعربيَّة.
ولعلَّ تلك الأسباب لَمْ تَكُن فقط هي الأسباب التي خلقت الرأي العامَّ المصري، لكنَّ استمرار إسرائيل على نهجها العدواني ضدَّ مصر، والدليل الإمساك بأكثر من جاسوس إسرائيلي رغم تلك الاتفاقيَّة، وإصرار تلك الدولة المارقة على ممارسة التخريب في كافَّة صوَره الاقتصاديَّة منها والسياسيَّة ضدَّ مصر، لِتعبِّر تلك الحالات عمَّا تحمله من كراهية حقيقيَّة، وتنفي ما يدَّعي هذا الكيان عن رغبته في السَّلام. لذا فالاحتفاء الشَّعبي رسالة إلى دولة الصهاينة، تؤكِّد أنَّ طريق السَّلام الحقيقي، يحتاج إلى ما هو أكثر من اتفاقيَّة أمنيَّة تحمي الحدود، وأنَّ طريق السَّلام الحقيقي، يحتاج إلى طريق طويل يبدأ بإعادة الحقوق لأصحابها، وينتهي بتعاون على التنمية، بدلًا من مساعي التخريب التي تتعمد دولة الاحتلال الإسرائيلي ممارستها ضدَّ كُلِّ ما هو مصري وعربي.


إبراهيم بدوي
[email protected]