تنامى الطلب العالميُّ على الرقائق أشباه الموَصِّلات والرقائق الإلكترونيَّة بشكلٍ كبير جعل منها الرَّقم الصَّعب في العديد من الصِّناعات المُهمَّة والحيويَّة، لدرجة أنَّ بعض الخبراء الاقتصاديِّين باتوا يعطونها أهمِّية أكبر من النفط، حيث تدخل أشباه الموَصِّلات والرقائق الإلكترونيَّة في الصِّناعات المختلفة ابتداء من الهواتف الذكيَّة وأفران المايكرويف إلى السيَّارات والصواريخ والطائرات...إلخ وغيرها من الصِّناعات الحيويَّة في العالَم ذات التقنيَّة العالية، ما جعل البعض يذهب إلى أنَّ هذه الصِّناعة الواعدة وسلاسل توريد تقنيَّتها ستكُونُ هي العامل الأبرز في مدى تقدُّم الدوَل في المستقبل القريب، وأشارت العديد من مراكز الأبحاث إلى أنَّ مَن يتحكَّم في تصميم هذه الرقائق وإنتاجها سوف يُحدِّد مسار القرن الحادي والعشرين.
وبنظرة عابرة لنُموِّ تلك الصِّناعة الحيويَّة، حيث أضحَتْ من الابتكارات المُهمَّة في عالَم الإلكترونيَّات، وتتمتَّع بأهمِّية كبيرة في تحسين أداء ووظائف العديد من الأجهزة الإلكترونيَّة، نجد أنَّ إجماليَّ إيرادات المبيعات العالميَّة لأشباه الموَصِّلات والرقائق الإلكترونيَّة قد بلغ في عام 2022م نَحْوَ 601.7 مليار دولار أميركي مرتفعًا بنسبة 1.1 بالمائة مقارنة بعام 2021م البالغ نَحْوَ 595 مليار دولار أميركي، ما دفع العديد من دوَل العالَم إلى الإسراع إلى توطين تلك الصِّناعة، والعمل على جذب الاستثمارات المطلوبة لتنميتها، ويبقى العنصر البَشَريُّ وقدرته على التَّعاطي مع تلك التقنيَّة الحديثة هو العامل الأبرز في جذب الاستثمارات وتوطين الصِّناعة، لذا حرصت سلطنة عُمان على الاستثمار في تطوير المواهب والخبرات المحليَّة؛ بهدف إيجاد أساسٍ قويٍّ لإنشاء مَركزٍ تجاريٍّ لتصميم الرقائق والتحقُّق منها.
ويُعدُّ قيام الشركة العالميَّة لأشباه الموَصِّلات والإلكترونيَّات الدَّقيقة بإرسال أوَّل تصميم رقائق إلكترونيَّة متقدِّمة (عُمان-1، وعُمان-2) للاختبار والتحقُّق من جاهزيَّة التصنيع والإنتاج في معامل شركة صناعة أشباه الموَصِّلات التايوانيَّة، يُعدُّ خطوةً كبيرة نَحْوَ توطين هذه الصِّناعة، حيث تمَّ تصميمه بواسطة مُصمِّمين عُمانيين، ويأتي ضِمْن البرنامج الوطنيِّ للاقتصاد الرَّقميِّ وبدَعْمٍ من وزارة النقل والاتِّصالات وتقنيَّة المعلومات ووزارة العمل. وتأتي هذه الخطوة أيضًا في إطار مخرجات الاتفاقيَّة التي تمَّت بَيْنَ وزارة النقل والاتِّصالات وتقنيَّة المعلومات ووزارة العمل مع الشركة العالميَّة لأشباه الموَصِّلات والإلكترونيَّات الدَّقيقة في شهر يونيو 2022م؛ بهدف تأسيسِ أوَّل مشروع استثماريٍّ في سلطنة عُمان لتصميم وتصنيع أشباه الموَصِّلات والشرائح الإلكترونيَّة المتقدِّمة، وتدريب عددٍ من الكوادر العُمانيَّة في هذا المجال.
وتُمثِّل هذه الخطوة إنجازًا مُهمًّا في مجال أشباه الموَصِّلات والرقائق الإلكترونيَّة في البلاد، حيث تعكس قدرات ومواهب الشَّباب العُماني الهندسيَّة المحليَّة المتمثلة بتصميم دوائر متكاملة في مختبرات ومعامل مُعدَّة ومُجهَّزة محليًّا، ما سيفتح المجال للاستثمارات المحليَّة والعالميَّة في البحث والتطوير والتصنيع لإنتاج هذه الرقائق المتقدِّمة، ويكُونُ له مردود كبير على تعزيز نُموِّ الصِّناعات ذات الصِّلة بأشباه الموَصِّلات والرقائق الإلكترونيَّة بشكلٍ عامٍّ، وبناء نظام بيئي متكامل يدعم هذه الصِّناعة، ويؤكِّد الالتزام العُمانيَّ بتعزيز النُّمو التكنولوجيِّ والابتكار، حيث جاءت هذه الخطوة نتيجة إقامة برنامج تدريبيٍّ شامل لتصميم الرقائق لأكثر من 90 مهندسًا؛ بهدف إيجاد بيئة جاذبة ومُحفِّزة للشركات العالميَّة والمحليَّة لتتَّخذَ من سلطنة عُمان مقرًّا لعمليَّاتها وتقديم خدماتها في المنطقة.