يشهد القِطاع الاقتصادي العُماني في الآونة الأخيرة تطوُّرات إيجابيَّة تؤكد صواب السياسة الحكيمة التي تتَّبعها الدولة وحرصها على تنويع مصادر الدخل، وبناء قاعدة ماليَّة قويَّة متينة لا تتأثر بالهزَّات الاقتصاديَّة.. بل يُمكِن القول إنَّها سايرت الثورة المعلوماتيَّة واستغلَّتها في عمليَّات التطوير من خلال إطلاق وزارة الاقتصاد للمبادرة الوطنيَّة لتمكين الاقتصاد الوطني المعزَّز بالذَّكاء الاصطناعي من خلال التقنيَّات والتطبيقات وتوظيفها لخدمة تنافسيَّة وكفاءة الاقتصاد الوطني.. فأصبحت بذلك سلطنة عمان مثلًا يُحتذى في تحقيق التنمية الشاملة ببُعدَيْها الاقتصادي والاجتماعي بحيث تمَّ تحقيق التوازن الاقتصادي مع النُّمو المطلوب، وتنوَّعت القاعدة الإنتاجيَّة للاقتصاد الوطني ونما القِطاع الخاصُّ.
المطمئن أنَّ وطننا الحبيب يسير بخطًى واثقة وراسخة نَحْوَ التنمية والتقدُّم في كافَّة المجالات من أجْل تحقيق الرخاء والاستقرار والاطمئنان على مستقبلنا الاقتصادي.. فالفكر المستنير لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ ومعالجته الحكيمة للأزمات جعلت تداعيات الأزمة الماليَّة العالميَّة محدودة جدًّا على السلطنة مقارنة بالكثير من الاقتصادات الأخرى؛ لأنَّ قِطاعها المالي يتميَّز بأنَّه أقلُّ عرضة لمخاطر الأصول غير المأمونة.
ومما يثير في النَّفْس الارتياح والاطمئنان ويبرهن على أنَّنا نَسيرُ على درب التقدُّم، القرار الذي نشرته وزارة الماليَّة مؤخرًا ويتضمن الحساب الختامي للدولة لعام 2022م والذي شهد بأنَّ الإيرادات الفعليَّة حقَّقت ارتفاعًا بنسبة 37%، وأنَّ الموازنة العامَّة للدولة حقَّقت فائضًا وقدره مليار و144 مليون ريـال عُماني والذي يُعدُّ الأوَّل بعد 13 عامًا من العجز وتحديدًا منذ عام 2009م.. وهو ما يُعدٌّ بكُلِّ المقاييس إنجازًا جديدًا يُسطَّر بأحرف من نور في سجلِّ الإنجازات التي حققتها الدولة في كافَّة الميادين وليضاف اسمها بهذا التقدُّم في المحافل الاقتصاديَّة.
نتمنى أن ينعكس تعافي الاقتصاد الوطني على زيادة توافر وظائف للباحثين عن عمل وارتفاع نسبة التعمين في القِطاعَيْنِ العامِّ والخاصِّ.. والتمكُّن من السيطرة على معدَّل التضخُّم السنوي في السلطنة.. قد يقول البعض إنَّه حدث ارتفاع ملحوظ لأسعار السلع الأساسيَّة فنقول إنَّ هذا كان نتيجة ارتفاع في أسعار السلع نَفْسها في الأسواق العالميَّة، لا سيما وأنَّ سلطنة عمان تستورد معظم احتياجاتها من السلع الأساسيَّة، وهو ما يُشكِّل صعوبة في السيطرة عليها بصورة كاملة.
لا شك أنَّ التوجيهات السَّامية التي أصدرها جلالة السُّلطان المُعظَّم خلال اجتماع مجلس الوزراء بقصر البركة العامر تجسِّد اهتمام جلالته بتحقيق التنمية بصفة عامَّة وفي العديد من المجالات.. فإنشاء صندوق «عُمان المستقبل» سيُحقِّق قفزة كبيرة لزيادة تدفق الاستثمارات المحليَّة والأجنبيَّة إلى جانب دَوْره في النهوض بالقِطاعات الاقتصاديَّة المختلفة كالسياحة، والاتصالات وتقنية المعلومات، والغذاء والثروة السَّمكية، والطاقة النظيفة، واللوجستيَّات، والخدمات والموانئ والتعدين، بالإضافة إلى تحفيز الاقتصاد العُماني وتنويعه ودعم المؤسَّسات الصغيرة والمتوسطة.. وغير ذلك من المهام التي تترجم رؤية جلالته في جعل المواطن شريكًا أساسيًّا في التنمية والنهضة، وأنَّه ترس مُهمٌّ جدًّا في عجلة التنمية الاقتصاديَّة والمُجتمعيَّة.. فضلًا عن الارتقاء بالبيئة الاستثماريَّة.
إنَّ الإصلاحات الاقتصاديَّة العديدة التي تشهدها البلاد تدلُّ على أنَّنا مقبلون على عهد جديد من الحداثة والتطوُّر الذي يساعد على النماء والرخاء للوطن والمواطن.. وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين واستقرار ومتانة الاقتصاد الوطني، وهذا يطمئننا على مستقبل البلاد خلال السنوات القادمة.
أدام الله على عُماننا الاستقرار والأمان، وحفظ الله قائدها المُفدَّى وشَعبها الوفي من كُلِّ مكروه.. إنَّه نِعْم المولى ونعم النصير.
❋ ❋ ❋ ❋ ❋ ❋ ❋ ❋
تعجبت من انتشار ظاهرة سلبيَّة في مُجتمعنا العُماني الأصيل وهي ظاهرة الاتصالات العشوائيَّة التي تقوم بها بعض الشركات من أجل الترويج لمنتج مُعيَّن الذي لا يتمُّ إلَّا في وقت القيلولة الذي يرتاح فيه كُلٌّ منَّا ليستمدَّ بعض الطاقة كَيْ يستأنف مرَّة أخرى النصف الثاني من يومه بتركيز ونشاط، فإذا بهذه النوعيِّة من الاتصالات تقلق راحتنا وتخرجنا من عزِّ نومنا مفزوعين خشية أن يكُونَ الاتصال مُهمًّا لكن في النهاية نفاجأ بهذه الفئة المتطفلة التي تتسبَّب في ذهاب النوم من الجفون.. بل وصل الأمْرُ ببعض تلك الشركات للقيام بزيارات منزليَّة لعرض منتجاتها ومحاولة فرضها على المواطن بالقوَّة بعد إلحاح شديد.
لا شكَّ أنَّ ما تقوم به هذه الشركات مخالف للقانون الذي يحظر عليها الاتصال العشوائي من ناحية، والاتصال المباشر بالمستهلك من ناحية أخرى. فهذا يُعدُّ نوعًا من انتهاك لخصوصيَّة الأفراد.. والأدْهى والأمَرُّ أنَّ الكثير من هذه المنتجات مغشوشة ولا تطابق المواصفات القياسيَّة ولا تشتمل على أيِّ ضمان، وهو ما يجعلها خطرًا على المستهلكين، خصوصًا إذا كانت هذه المنتجات أدوية عشبيَّة أو مستحضرات تجميل قد تضرُّ بالصحَّة.
للأسف ما زال هناك كثير من المواطنين طيبي القلب ينخدعون بحِيَل هذه الشركات، لذلك لا بُدَّ من نشر التوعية بَيْنَ المواطنين بالحرص والحذر من كُلِّ مُعلِن بهذه الطريقة، فلو كانت بضاعته قانونيَّة وصالحة ومطابقة للمواصفات القياسيَّة ما أعلن عنها بهذه الصورة التي تُعدُّ في الظِّل وسرًّا، بل كان سيعلن عنها بصورة علنيَّة وبطريقة مشروعة.. لذا على وسائل الإعلام المختلفة تنبيه المواطنين بخطورة هذه السلع والمنتجات والطُّرق الملتوية لترويجها، وعدم الاستجابة لطُرق مروِّجيها المضلِّلة والتي تكون في كثير من الأحيان مقنعة.. ولو أراد المستهلك شراء سلعة معيَّنة عليه التأكد من جودتها ومطابقتها للمواصفات والحصول على ضمان كافٍ لها مع أخذ جميع بيانات الشركة حتى يستطيع مقاضاتها في حال اكتشاف خداعها. ويُمكِن لكُلِّ مَن تصله مِثل هكذا إزعاجات إبلاغ هيئة حماية المستهلك لتتَّخذ إجراءاتها.



ناصر بن سالم اليحمدي
كاتب عماني