فجَّر محمد صلاح، شهيد الحدود المصريَّة الإسرائيليَّة، قضيَّة في غاية الأهمِّية وهي قَبول الشعوب العربيَّة لاتفاقات السَّلام مع الكيان الإسرائيلي، في ظلِّ ممارسات عنصريَّة تُمارس ضدَّ الشَّعب الفلسطيني، ليُعلنَ الكثير من الحقيقة التي تُنافي استراتيجيَّة الذين اعتقدوا في وقت من الأوقات أنَّ الشعوب ارتكنت على اتفاقيَّات السَّلام وتغاضت عن الممارسات الإسرائيليَّة، بفضل التعقيدات الكامنة في السياسات الدوليَّة، وردود المسؤولين التي تتَّسم بالدبلوماسيَّة للمحافظة على العلاقات الثنائيَّة، ووضع شروط السَّلام في الأولويَّات، ليفاجئ السَّاسة والعامَّة أنَّه لا توجد قدرة على التنبؤ بمشاعر الشعوب وعقيدتهم، وردود أفعالهم، التي تطفو وتغيب حسب التأثير أو الاقتناع بمراوغة ودبلوماسيَّة السَّاسة الإسرائيليين، خصوصًا وأنَّ البيئة الجيوسياسيَّة أكثر تعقيدًا في منطقتنا، وأصبحنا أقلَّ قدرة من أيِّ وقتٍ مضَى على التنبؤ بها، فيما تضاءل الأمل في إيجاد الحلول لعنصريَّة واعتداءات جنود الاحتلال الإسرائيلي، لِتُعطيَ الحافز لدى الشهداء ليقوموا بعمليَّات تتَّسم بالجرأة والوضوح لتذكير العالَم بمعاناتهم وإلقاء الضوء على قضيَّتهم بعد أن أصبحَ لدَيْهم يقين في أنَّها لَمْ تَعُدْ تشغل بال المُجتمع الدولي أو المنظَّمات الدوليَّة.
إنَّ البيانات الأقرب إلى الصِّدق والمتناقلة عَبْرَ وسائل الإعلام تقول إنَّ شُرطيًّا مصريًّا قام أثناء عمله بأداء مهمَّته في حماية الحدود المصريَّة قام بمطاردة مهرِّبينَ للمخدرات أسفر عن تصفية جندي ومجندة إسرائيليين، ثمَّ اشتبك مع مجموعة أخرى قتل ثالثًا برتبة ضابط إسرائيلي وأصاب آخر، ولَمْ يستطيعوا التغلُّب عليه إلَّا باستخدام طائرة مسيَّرة لِيسقطَ شهيدًا، وما قام به خير أجناد الأرض هو دليل على استبساله في أداء مهامه في الدفاع عن حدود بلاده، ومن جانب آخر ينمُّ عن أنَّ القضيَّة الفلسطينيَّة في قلْبِ كُلِّ عربي، وأنَّ ما يقوم به جنود الاحتلال يترك صدًى مؤثِّرًا، له نتائجه قد تتأخر بعض الوقت، ولكنَّها تصبح فيما بعد استراتيجيَّة شعوب تؤدِّي دَورًا مُهمًّا في تحديد الاتِّجاه والنيَّات أمام الخصوم، يعجز البعض من محلِّلي الشؤون السِّياسيَّة عن إيجاد تفسيرات وشروحات لها؛ لأنَّ تأثيرها يترك بَصْمتَه بشكلٍ كبير، والتاريخ زاخر بأمثلة تحضر للذاكرة بسرعة أكبر من محاولة التفسير، ففي أكتوبر عام 1985، قتل الجندي المصري سليمان خاطر 5 من الإسرائيليين وأصاب 7 حاولوا تخطِّي نقطة حراسته على الحدود.
البعض يقول إنَّه يجِبُ احترام اتِّفاقات السَّلام، وينكر الأفعال التي تدفع إلى الاستفزاز، وتسمع خطابهم السِّياسي يدافع عمَّا لا يُمكِن الدِّفاع عنه، لطمْسِ الحقائق التي تتمثل في العنف الممنهج ضدَّ السكَّان المدنيين تحت حجة «إحلال السَّلام»، والتطهير العرقي تحت مُسمَّى «نقل السكَّان». ويقومون بتسليط الأخبار على مدار 24 ساعة، ووسائل الإعلام وبرامج التواصل الاجتماعي تضخُّ في رؤوس العالَم أهدافهم وسياساتهم الخادعة، وأنَّهم فقط مَن يطبقون الديمقراطيَّة، والحقيقة الدامغة تقول إنَّ الإرهاب سلوك معتاد ومقبول ضدَّ الفلسطينيين أصحاب الأرض الحقيقيين. إنَّ العمليَّات الاستشهاديَّة التي نشاهدها داخل الأراضي الفلسطينيَّة، أو تلك التي تحدث في مواجهة مباشرة نتيجة الغطرسة الإسرائيليَّة، فجَّرت قضيَّة إقناع الشعوب بالسَّلام دُونَ أن تعيشَه فعليًّا على أرض الواقع، على العالَم المتحضِّر والمنظَّمات الدوليَّة إذا بقيَ فيها أمل أن يروا الحقيقة، واكتساب الثقة اللازمة للدِّفاع عن حقوق الشَّعب الفلسطيني، وإرساء قواعد السَّلام بناء على العدل، السَّلام مطلب أُممي وشَعبي، ويجِبُ على الكيان المحتلِّ الاعتراف بأنَّه كيان مغتصِب وإذا كان يريد العيش في سلام أن يقيمَ السَّلام العادل القائم على الأرض مقابل السَّلام؛ لأنَّه الطريق الأفضل أو على الأقل الأكثر جدوى إلى الأمام وضمان أمن أجيال تضع بذور السَّلام لِتنعمَ بالحياة.



جودة مرسي
[email protected]
من أسرة تحرير «الوطن»