مع توقيع الرئيس الأميركي جو بايدن يوم الاثنين الماضي على قانون أضاف ارتفاعًا آخر لسقف الدَّيْن العامِّ الذي تتحمله الحكومة الفدراليَّة، تكُونُ أزمة هذا الدَّيْن قد أُجِّلت فحسب، ولَمْ تتمَّ معالجتها المعالجة الجذريَّة اللازمة، ولذلك لا يُمكِن اعتبار ما جرى طويًا نهائيًّا للأزمة.
إنَّ الارتفاع الجديد في سقف هذا الدَّيْن إنَّما يمنحه انتظارًا جديدًا على أمل أن تصلحَ الإدارة الفدراليَّة في واشنطن توجُّهاتها باعتماد سياسة ترشيديَّة تحدُّ من الإنفاق العامِّ لتحقيق التوازن بَيْنَ محصِّلاتها من الرسوم والضرائب وحجم إنفاقها، الوضع الذي يتيح لها تقليص الديون المدوَّرة بذمَّتها، ولا يُمكِن أن يتحقَّقَ ذلك إلَّا بهامش مضاف يقوم على تقنين صرفيَّاتها الماليَّة التشغيليَّة العامَّة.
لقد نشبت الأزمة بعد أن تجاوزَ الدَّيْن العامُّ السقف المسموح به بموجب التشريعات الأميركيَّة المعتمدة، وكان الأمْرُ يقتضي قانونًا جديدًا، وهو ما اشتغل عليه الرئيس بايدن مع الجمهوري في مجلس النواب كيفن مكارثي بمباحثات مضنية وبمطبَّات عديدة تمَّ تذليلها في الأيَّام القليلة الماضية تجنُّبًا للكارثة التي كان يُمكِن أن تصيبَ البيئة الإداريَّة الفدراليَّة للدولة الأميركيَّة في صعوبة غير مسبوقة لتأمين توظيفاتها العامَّة، وتعرَّض الدولار الأميركي إلى هزَّة سلبيَّة في قِيمته التداوليَّة مع أنَّه يُصاب بالتذبذب بَيْنَ الحين والآخر تبعًا لقوَّة وضعف النفوذ الأميركي عالميًّا، وما يتعلَّق بالمنافسات التجاريَّة الدوليَّة القاسية في أغلب الأحيان.
لقد تنفَّس الأميركيون وحلفاؤهم الصُّعداء بالانطفاء الوقتي لأزمة مديونيَّة حكومتهم، في عالَم لَمْ تَعُدْ فيه الأذرع العسكريَّة القويَّة صانعة نفوذ وحيدة لتمرير شروطها رغم أنَّها ليست بمعزل عن التأثير. إنَّ الحلَّ الذي حصل لتلك المديونيَّة أوجد له أصداءً في تصريحات لوزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ضِمْن تخريج أطلقه ودعا فيه إلى فتح صفحة من التعاطي الهادئ مع النفوذ الصيني، والعمل على إيجاد مشتركات تحدُّ من التصعيد العسكري المتبادل مع القوَّة الصينيَّة، بل وفي الاشتراطات التي وضعتها واشنطن على الرئيس الأوكراني زيلنسكي في عدم استخدام طائرات «أف 16» في العُمق الجغرافي الروسي. لقد وفَّر الدَّرس الأميركي مع هذه المديونيَّة علاجًا مُسكِّنًا فحسب، بالرغم من إطلاق المزيد من السَّندات التمويليَّة. إنَّ الأزمة التي حصلت كانت عنصر إرباك شديد في الحياة الأميركيَّة وعبئًا لوجستيًّا قاسيًا بدليل أنَّ الرئيس بايدن وجَّه خطابًا ذا صبغة تبشيريَّة عن الحلِّ الذي حصل، الأمْرُ الذي لا يُمكِن لرئيس أميركي أن يلجأَ إليه إلَّا إذا كانت الأوضاع قد دخلت في مرحلة خطر جسيم يُهدِّد الأمن القومي الأميركي.
لقد سُمعت الأصداء الإيجابيَّة للقانون المذكور داخل الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة بالمزيد من الاهتمام الذي تحتاجه الأسواق، بل وسُمعت الأصداء في ميدان الجوار الأوروبي والياباني، ومع الشريكَيْنِ، المكسيك وكندا ضِمْن مجموعة (النافتا)، بل إنَّ تنفُّس الصُّعداء حصل في الشرق الأوسط، وعلى منصَّة دوَل مجموعة (آسيان)، غير أنَّ هذه الأصداء الإيجابيَّة الواسعة لَنْ تصلحَ إلَّا للتطبيب المؤقت.




عادل سعد
كاتب عراقي
[email protected]