فرحة العمر أو ليلة العمر ـ كما يسميها البعض ـ ليست كأي فرحة فهي قد تمت بعد الكثير من الأحلام الوردية التي رسمت لبناء لبنة جديدة صحية في المجتمع قائمة على أسس صحيحة، فالزواج ليس فقط ليلة تلبس فيها الفتاة الفستان ويلبس الرجل فيها المصر والخنجر بل هي بداية تكوين بيت عائلة صغير مستقر يملؤه التفاهم والاحترام في المقام الأول والحُب في المقام الثاني.
ولكن قد يصدمك الواقع بعد مدَّة بحدث غير عادي ولم يكن من الملفات الحاضرة في عقلك ألا وهو الطلاق وخصوصًا في السنة الأولى أو الثانية من الزواج وهذا ما أظهرته الإحصائيات، حيث يتضح أنَّ هناك زيادة في نسبة الطلاق، فقد أظهرت الدراسات الحديثة أنَّ عدد حالات الطلاق خلال آخر إحصائية أشار إليها المركز الوطني للإحصاء والمعلومات ٤١ ألفًا و٥٤٩ مطلقًا ومطلقة، لذلك فإن هذه الأعداد مخيفة وصادمة، وهذا الأمر يستدعي الاستنفار ويؤثر على المجتمع بشكل عام، حيث يكثر التفكك الأُسري والذي بِدَوْره ينتج جيلًا يعاني من صدمات واضطرابات نفسية.
ولا ننسى أنَّ هناك طلاقًا من نوع آخر قد لا نتمكن من تضمينه في الإحصائيات ولكن لا يمكن أن نتجاهله كذلك لأنَّ آثاره ليست بأقل ضررًا من الطلاق الفعلي الملفوظ والموثق في المحاكم ألا وهو الطلاق الصامت أو الطلاق العاطفي، فالطلاق الأول من الممكن التشافي من آثاره بعد حين، أما النوع الثاني فأنت تعيش بصمت مع ألم آثاره والذي تعدُّه أمرًا مسلَّمًا به وهذا بدَوْره يؤثر على العائلة ككُلٍّ.
إذًا لماذا يحدث الطلاق وما السبب الرئيسي؟! أرى أنَّ الهدف الحقيقي للزواج في كثير من الحالات غائب تمامًا، وهناك ضبابية وعدم وضوح لتفاصيل العلاقة الزوجية التي لم يتمَّ مناقشتها في فترة الخطوبة، فكُلٌّ من الزوجين بنى توقُّعات بَيْنَه وبَيْنَ نفسه عن الطرف الآخر دُونَ طرح هذه التوقُّعات على طاولة النقاش فنجد أنَّ هناك سيناريو لحياة خيالية حسب أفكار كلٍّ منهم، فمثلًا المرأة تتوقع أنَّ الزوج يحمل عصى سحرية تحقق لها أمنياتها التي طالما تمنتها ولم تسنح لها الفرصة لتحقيقها في بيت والديها، أمَّا الرجل فيرسم في مخيلته حياة هارون الرشيد مع الزوجة التي يجب أن تحتويه وتكون له أربع في واحدة، كما يجب أن تكون أحنَّ عليه حتى من أُمِّه فينصدم الاثنان بواقع مغاير لِما توقعوه وتملأه المسؤوليات فتبدأ المشاكل.
والسبب المُهم الآخر تأثير الإعلام الذي يصنع برمجيات مغلوطة عن الزواج، وبالتأكيد هناك أسباب كثيرة مثل عدم الانسجام اختلافات الخلفيات الثقافية والمستوى التعليمي وتدخل الأهل والعناد، كذلك تحكم الزوج في كثير من الأحيان وسوء المعاملة والمشاكل المالية والخيانة الزوجية.. وغيرها من الأسباب المهمة، كما توجد أسباب تافهة وسطحية للطلاق مثل الشخير أثناء النوم، الرغبة بالسكن في المناطق المتمدنة، كثرة الخروج مع الأصدقاء حضور المناسبات الاجتماعية بكثرة وهناك المزيد مما ينمُّ عن جهل تام بجوهر الحياة الزوجية. قد يرى البعض أنَّ سنَّ الـ(30) هو سنُّ النضج والمناسب للزواج ولكن لن يتفق الكلُّ على هذا الأمر، لذلك أرى ضرورة تأهيل المقبلين على الزواج من خلال إنشاء مراكز أُسرية لتقديم دَورات خاصة بالحياة الزوجية (الحقوق والواجبات) وتثقيفهم في الجانب المالي من وضع خطط مالية ليتجنبوا الأزمات المالية المسببة للطلاق.

كلمة أخيرة:
يجب أن يفهم كلٌّ من الزوجين نفسه وآماله وطموحاته التي يرسمها من خلال هذا الزواج حتى يكون التفاهم والوضوح أساس العلاقة.


حفصة بنت محمد الجهورية
@123_eternity