عرفت مصر التعليم الحديث في عهد محمد علي الذي تولَّى حكم مصر في العام 1805، فأنشأ المدارس النظاميَّة على النَّمط الذي كان سائدًا في أوروبا، حتى جاء الخديوي إسماعيل في العام 1863 وعيَّن علي مبارك ناظرًا للمعارف، وإليه يرجع الفضل في وضع أوَّل تخطيط عِلمي لمشروع التعليم الحديث في مصر والمنطقة العربيَّة، حيث أصدر قانون الشهادات العامَّة الأزهريَّة والمدنيَّة، كما عرفت مصر التعليم الأجنبي باللغتَيْنِ الإنجليزيَّة والفرنسيَّة مع خضوعها للاحتلال الإنجليزي.
وكان الطلبة يلتحقون بالتعليم الابتدائي في سنِّ الثانية عشرة، حتى ظهرت المدارس الإلزاميَّة في العام 1925 وخفضت سنّ الالتحاق لسبع سنوات، ومدَّة الدراسة إلى خمس سنوات يحصل بعدها الطالب على الشهادة الابتدائيَّة، التي كانت ذا شأن كبير تتيح للحاصل عليها ضمان وظيفة حكوميَّة براتب محترم، وكان أغلب المصريين يكتفي بالابتدائيَّة لعدم قدرتهم المادِّيَّة على تكملة تعليمهم الذي كان بمصروفات.
أمَّا القادرون والمتفوقون فكانوا يلتحقون بالمرحلة الثانويَّة، التي كانت 5 سنوات خفضت إلى 4 على مرحلتيْنِ، مدَّة كُلٍّ منهما سنتان؛ الناجحون في المرحلة الأولى يمنحون شهادة الأهليَّة، ومَنْ يكمل العاميْنِ الآخريْنِ يؤهل للالتحاق بالمدارس العُليا الطِّب والصيدلة والمهندس خانة والمُعلِّمين ودار العلوم والحقانيَّة، وفي عام 1928 زادت مدَّة الدراسة الثانويَّة إلى 5 سنوات، وانقسمت لمرحلتيْنِ، الأولى مدَّتها 3 سنوات وتعطي شهادة الكفاءة، والثانية سنتان يتخصَّص خلالها الطلاب إلى علمي أو أدبي، ويحصل الناجحون في نهايتها على شهادة البكالوريا، التي تحوَّل اسمها في وقت لاحق إلى التوجيهيَّة.
حتى قامت ثورة 23 يوليو، ورفعت شعار التعليم للجميع، واستقرَّ نظام سنوات الدراسة عند ستِّ سنوات للابتدائي، و3 سنوات إعدادي و3 سنوات للثانوي، الذي تشعَّب إلى ثانوي عام يؤهل لدخول الجامعة وصناعي وتجاري وزراعي، وهو النظام المعمول به حتى الآن، وانتقل هذا النظام إلى معظم الدوَل العربيَّة التي استعان معظمها بالمُعلِّمين والتربويين المصريين والأنظمة التعليميَّة المصريَّة، عندما بدأت مَسيرة التحديث في التعليم بداية من خمسينيَّات القرن الماضي.
ورغم مرور أكثر من مائة عام على ظهور الثانويَّة العامَّة بمختلف أنظمتها ومسمَّياتها، لا تزال هذه الشهادة محتفظة بجبروتها وهَيْبَتِها، وما زالت الأُسر العربيَّة تعلن الطوارئ في العام الذي يكون لدَيْها ابن في الشهادة العامَّة، التي يَعدُّونها عنق الزجاجة، وبناء على نتيجتها سيتحدَّد مستقبل الابن ـ كما يظنُّون ـ.
ورغم أنَّ أوروبا والدوَل المتقدِّمة تخلَّصت من هذا «البعبع» عن طريق نظام تعليمي مَرِن يمنح الطالب حُريَّة اختيار نوعيَّة المواد التي يدرسها وعددها والمدَّة الزمنيَّة التي يرغب فيها، وأتاحت له الفرصة لمحاولات متعدِّدة لدخول الامتحان وتحسين علاماته الدراسيَّة، وجعلت شرط الدخول للجامعة اجتياز سنة تأهيليَّة، يدرس الطالب خلالها مجموعة المواد التي تؤهله للدراسة بالكلِّيَّة التي يرغب دخولها. ولَمْ تَعُد الشهادات العُليا شرطًا وحيدًا للحصول على وظيفة، بل صارت هناك مهارات أخرى بخلاف الشهادة يتطلبها سُوق العمل، وأصبحنا نرى نماذج ناجحة مهنيًّا وماديًّا يعملون في غير تخصُّصاتهم التي قضوا سنوات في دراستها، كما أصبحت هناك بطالة بَيْنَ خرِّيجي كُلِّيات القمَّة ـ كما كانت تُسمَّى في الماضي ـ في أوساط الأطباء والصيادلة والمهندسين، بَيْنَما هناك تخصُّصات ومِهن فيها نقص شديد وطلب كبير على خرِّيجيها، وتجد عزوفًا من الشَّباب العربي عن دراستها والتخصُّص فيها.


محمد عبد الصادق
[email protected]
كاتب صحفي مصري