الإنسان بطبيعة الفطرة التي خلقه الله عليها فإنه ميال إلى الشر، ومجبول عليه، فمرتع الظلم وخيم، وعاقبته سيئة، وجزاء فاعلة النار، وصاحب الظلم بفعله تخرب الدور، وتتشتت الأسر، ولو بغى جبل على جبل لدك الباغي منهما، ومن أعظم ما حرم الله عز وجل شيئا كالظلم وتوعد الله جل جلاله الظالمين بقوله : (ِإنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا) سورة الكهف الآية (29) ويقول سبحانه وتعالى :(يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) سورة الإنسان الآية (31) ويقول جل وعلا : (وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) سورة البقرة الآية (258) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ) ثم قرأ قوله تعالى (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) سورة هود الآية (102) ويقول عليه الصلاة والسلام :(انصر أخاك ظالما أو مظلوما ، فقال رجل يا رسول الله ،أنصره إذا كان مظلوما ، أفرايت إن كان ظالما كيف أنصره ؟ قال : تحجزه أو تمنعه عن الظلم، فإن ذلك نصره).
والظلم أخبثه الشرك بالله العلي العظيم ،وأن تجعل له ندا .
والإنسان الذي كرمه الله عز وجل من سائر المخلوقات فكيف يكون له أن يجعل لله ندا وهو الذي خلقه في أحسن تقويم ورزقه من حيث لم يحتسب ،ويدعو من دونه أحد لا يملك له نفعا ولا ضرا وحكى لنا القرآن عن لقمان حينما كان يعظ ابنه (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) سورة لقمان الآية (13) .
فمن الذنوب التي لا تغفر، والكبائر التي لا تكفرها الصلاة ولا الصدقة هي أخذ حقوق الناس والاستيلاء عليها تعديا وظلما، حتى إن توبة الظالم واستغفاره لا يقبله الله حتى ترد الحقوق إلى أهلها ، أو يتسامح الظالم من مظلومة ، ونزه نفسه من الظلم ، والله سبحانه وتعالى يتوب لمن تاب شريطة أن تكون التوبة نصوحة يقول الله عز وجل: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ) سورة فصلت الآية (42) وروي النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه في الحديث القدسي يقول : (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) والظلم طرقه لا تحصى ووسائله جمة، منه الغضب والسرقة، والاختلاس والربا، وتطفيف المكيال والميزان ، والتغرير بالعميل، وخيانة الوديع والأجير، والجعيل ، والمقارض والشريك والوكيل، فهذه أنواع من الظلم الذي مقت الله أهله وقال فيهم عز وجل : (أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) سورة نوح الآية (18) والظلم درجات متفاوتة ، والجزاء من جنس العمل كل درجة تعاقب بحسب فعلها وقد يستبطئ الظالم عقوبة الله له، يتمادى في غيه، ويستمر في ظلمه وجوره يقول الحق عز وجل ، (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) سورة يونس الآية (11) والله سبحانه وتعالى يملي للظالم، وفي نفس الوقت يمهله فعساه أن يتوب، ولعله يرجع عن طغيانه، ولكن إذا أصر هذا الظالم عن مخالفة المولى عز وجل وأبى إلا اعتداءه على الضعفاء والمساكين مستخفا بهم أو مغرورا بالإمهال، أخذه الله أخذ عزيز مقتدر وضربه بسياط نقمته وجعل فيه عبرة للناظرين، وموعظة للمتقين، وأن عذاب الله لأليم ، وأن بطشه لشديد ، يقول الحق تبارك وتعالى : (إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) سورة يونس الآية (44) .
فالإنسان العاقل يجب عليه أن يعتبر لما يقرأ القرآن العظيم عن أخبار القرون الماضية ، وما قصه القرآن علينا من أنباء المتقدمين ، وما حل بهم ، فلو اعتبرنا لكان في ذلك ما يوقف الظالم عند حده، ويخفف من طعمه ويخوفه من العلو والفساد في الأرض فمن قصص القرآن قوله تعالى : (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا) سورة الكهف الآية (59) .
فينبغي أن نحذر من دعوة المظلوم، لأنها ترفع على الغمام ، ولا يكون بينها وبين الله حجاب يقول أحدهم:
أد الأمانة والخيانة فاجتنب****وأعدل ولا تظلم يطيب المكسب
واحذر من المظلوم سهما صائبا ****وأعلم بأن دعاءه لا يحجب
ويقول آخر:
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا****فالظلم ترجع عقباه إلى الندم
تنام عيناك والمظلوم منتبه****يدعو عليك وعين الله لم تنم
فلا تظن أيها الظالم المغرور القوي بظلمك،أن الله ينتقم منك لهؤلاء المساكين الذين يصبحون ساخطين عليك ويبيتون يدعون عليك والله يعلم ما كان منك، وما يكون منهم ويقول سبحانه: (وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) سورة البقرة الآية (74). وينبغي من المؤمن نصرة أخيه المؤمن ولا يشترط أن يكون المظلوم من الأهل ذي الأنساب والله سبحانه وتعالى لا يترك الظالم بفعله والمظلوم بظلمه ونصره حتى يأخذ بحقه والأخذ على يد الظالم حتى يكف عن جنايته، وهذا الأمر يسود الأمن والاستقرار ومن ذلك حفظ نظام المجتمع، وحماية الضعفاء من جبروت الأقوياء، حتى لا تضيع الحقوق، وتنتشر الفوضى ورحم الله، امرئ أنصف من نفسه، فأخذ ماله وأدى ما عليه، وأراح القضاة والحكام من جنايته وشكايته، وفوض الأمر إلى من يفصل الأمر بين عباده يوم القيامة، فيما كانوا فيه يختصمون.
وللحديث بقية..

يونس بن حبيب كروان السعدي