تعريفات
نقدم هنا تعريفًا لبعض المصطلحات الأساسية التى نستخدمها عند الحديث حول كتابة القصة ، وهو تعريف يعطى أيضًا ملخصًا أو تركيزًا لأهم العناصر فى كتابة القصة:
فكرة القصة: أي الفكرة الرئيسية التى تدور حولهــا القصــة ، مثــل "أهميــة دور الفتاة والمرأة فى تنمية المجتمع" ، أو "التمسك بالحق فى التعبير" ، أو "أداء الواجب هو الشجاعة الحقيقية."
موضوع القصة : الحكاية أو الحدث الذى ينطوى ، بشكل غير مباشر ، على فكرة القصة ، وهو التجسيم الفنى للفكرة الرئيسية . ولابد أن يكون عند الكاتب قصص عن أصدقائه وأقاربه وكل مَن قابله من الصغار والكبار. ومن خلال التنوع الساحر للعواطف والأفعال والعقول ، تتحول هذه المادة بين يدى الكاتب إلى عمل فني، فلا يوجد شىء يحدث فى حياة الكاتب إلا ويمكن استخدامه فى قصصه.
نوعية أسلوب القصة: هل تمت كتابة القصة بأسلوب ساخر، أو غامض مثير للتساؤل، أو بأسلوب ناعم يعبر عن مشاعر رقيقة، أو بأسلوب يعبر عن التوتر والغضب أو الرعب ، أو فى جو من الأسرار أو غير ذلك ؟
الخيال: فالمؤلف يستخدم خياله ليؤلف قصة يمكن أن نجد لها مشابهًا فى الواقع (قصة واقعية)، وقد يكتب قصة يتعذر أن توجد فى الواقع (قصة خيالية).
العصف الذهنى أو الفكرى: وهو الاهتمام بكل فكرة تخطر على بالك أو على ذهن المجموعة التى تحيط بك وأنت تفكر فى موضوع قصة ما ، مهما كان رأيك ـ فى البداية ـ فى أهمية ما تسمع.
الاستهلال (أو بداية القصة): الجملة أو الفقرة التى نبدأ بها القصة ، والتى يجب أن تكون حافزًا للقارئ على التساؤل، وإثارة التشويق ، والتشجيع على الاستمرار فى قراءة القصة حتى نهايتها، لذلك نقول إنه من الأفضل أن تتضح عقدة القصة من أول فقرة فيها.
مخطط للقصة: كتابة النقاط الأساسية التى يتكوَّن منها بناء القصة ، وعرض وإبراز الأحداث والتحولات الأساسية فيها ، وكيف يؤدى كل جزء فى القصة إلى ما يليه على نحو منطقى مفهوم يتقبله القارئ حتى إذا كانت القصة خيالية.
البطل : أو الشخصية الرئيسية فى القصة التى تُحرك الأحداث ، وتتحرك حولها بقية الشخصيات.
الخصـم (أو البطـل المعاكـس): قد يكون الشخصية الشريرة، أو الخصم أو الشيء الذى يعترض طريق البطل . وهذا الخصم قد يكون شخصًا ، أو عقبة ، أو مانعًا يقف فى طريق البطل ، وقد يكون أحد عناصر الطبيعة مثل انسداد بئر يعيش عليها أهل واحة فى الصحراء، أو فكرة أو رغبة مثل شخص يحب العمل فى التجارة لكنه ينشأ فى بيئة زراعية تفرض عليه الاستمرار فى العمل الزراعى، وتحكى القصة كيف يقاوم البطل هذا المصير.
رسم الشخصية: وهو وصف الشخصيات التى يدير حولها المؤلف عمله القصصى ، وإبراز خصائصها وما يميزها عن غيرها ، وذلك من خلال أحداث القصة ، وتصرفات الشخصية وأقوالها ، وتفاعلها مع غيرها من الشخصيات أو الأحداث.
لكن لا ينبغى للكاتب أن يكون قاضيًا يحكم على شخصياته ، بل يجب أن يكون شاهدًا غير متحيز.
وعليك أن تسير بصحبة شخصياتك كأنك تراها بعين خيالك ، تعيش وتتطور كما فى الواقع، ثم احكِ قصتها بكل الصدق والتعاطف والجدية على قدر ما تستطيع .
وقبل أن تبدأ الكتابة عن شخصية ما ، يجب الاهتمام ببيان الدوافع والأسباب لتصرفاتها .
الحواس : الرؤية والسمع واللمس والشم والتذوق ، وهى الحواس التى نتعرف من خلالها على العالم من حولنا ونكتسب من خلالها مختلف الخبـرات ، وأن يهتـم الكاتب بالطريقة التى يستخدم بها أبطال القصة حواسهم لاكتساب الخبرة والتعبير عنها .
الحبكة أو " العقدة " وهى ضرورية للقصة : إنها وسيلة للمحافظة على حركة الشخصيات ، وشد مشاركة القارئ إلى نهاية القصة . وبدون الحبكة لن يهتم القارئ كثيرًا بمتابعة القصة إلى النهاية . وعادة ما تدور الحبكة حول الصراع بين البطل وخصمه.
الصراع : وهو المشكلة أو العقبة أو الرغبة التى تقف فى مواجهة البطل أو الشخصية الرئيسية ، والتى يسعى للتغلب عليها .
السرد : مجموعة الكلمات والعبارات والجمل التى تخبرنا عن شىء أو مكان أو شخصية ، أو أن شيئًا قد حدث أو قد يحدث ، ولا نقصد به " الحوار " .
الوصف : أو الكلمات والفقرات التى تصف الشخصيات والمكان والأشياء : ما شكلها ، وبماذا تشعر أو تشم أو تلمس أو ترى ، مع وصف ملامح الوجه وحركات الجسم ، والمشاعر وردود الأفعال ، والجو المحيط بكل هذا .
المجاز أو الاستعارة : وذلك عندما نقارن شيئًا بشىء آخر ، مثلاً عندما نقول لشخص : " تصرفاتك تصرفات حرباء متلونة " ، وذلك بغير استخدام ألفاظ مباشرة تدل على التشبيه .
التشبيه : تشبيه شىء بشىء آخر مع استخدام ألفاظ أو كلمات تدل مباشرة على التشبيه ، فنقول : مثل - كأنه - كأن - أو حـرف الكاف ( ك ) للتشبيــه ( مثــل الشجرة - كأنه شجرة - كشجرة ) مثلاً " إنه يهتز مثل شجرة فى عاصفة " .
الحوار : هو ما تتبادله شخصيات القصة فيما بينها من حديث . والحوار له أهميـة كبرى عند القارئ ، فالحوار أو الحديث هو ما يميز الإنسان عن الثدييات الأخرى ، كما أن الحوار هو الذى يميز بين شخص وآخر، فيعبر عن واقعه وثقافته .
الحديث الداخلى : وهو ما يدور من حديث بين الإنسان ونفسه .
مكان أو موضع وقوع الأحداث : المكان الذى تقع فيه أحداث القصة .
زمان وقوع الأحداث : أو الفترة الزمنية التى تحدث فيها القصة .
فترة الاختمار أو الحضانة : هى فترة من الزمن تبدأ بها عملية الإبداع ، حيث نترك الأفكار فترة تختمر خلالها . ويؤدى هذا إلى إنشاء روابط وعلاقات بين الأفكار والتصورات . فبعد فترة الاختمار ، نجد المؤلف أو المخترع أو الفنان يقول عـادة : " الآن وجدتها " ، أى أنه اكتشف بوضوح طريقه للسير فى إبداعه حتى يكتمل .
مسودة أولى : الكتابة الأولى أو المسودة المبدئية ، بما فيها من أخطاء إملائية أو لغوية ، لكنها الكتابة الإبداعية الخلاقة الأساسية للعمل الأدبى المتميز، والتى تعتبر النواة للعمل الأدبى الأصيل الناجح . وهنا نستطيع أن نقول للموهوب : " أنت لديك الرغبة فى كتابة القصة ، وتملك الموهبة ، وعلى استعداد للتمرن والتدرب ، إذن أضف إلى ذلك الإصرار على مواصلة العمل ، وتمتع بعادة النقد الذاتى ، والثقة فى النفس . أسرع بالاستجابة لقوة الإبداع فى اللحظة التى تجد نفسك فيها مدفوعًا إلى الكتابة " .
الذروة : هى قمة أحداث ووقائع القصة ، وأحيانـًـا تكون الجزء الذى يصل فيه التشويق إلى أقصاه ، أو أكثر المواقف إثارة . وقد تكون نقطة تحول رئيسية فى المواقف أو الأفكار، أو لحظة تغير أساسى فى التوجه أو الأهداف .
مراجعة (أو تنقيح):إعادة كتابة القصة ، أو إعادة ترتيب الفقرات أو الفصول أو الجمل ، أو إضافة أو حذف بعضها ، أو إعادة صياغة بعضها ، لتصبح القصة أكثر تماسكًا ووضوحًا ومنطقية .
- التحرير : ويُقصد به القـراءة المدققـة للمسـودة النهائيـة من القصـة ، وإجـراء التعديلات لتصبح على نحو أفضل وأوضح ، مع تصحيح الهجاء والأخطاء النحوية .
- الخاتمة : وهى الجزء القريب جدًّا من نهاية القصة ، عندما تنتهى جميع الخطوط لتترابط معًا ، ويتم حل المشكلة أو العقدة ، ويتم تحديد مصير كل شخصية من شخصيات القصة .
- تحليل القصة : مراجعة القصة بعد اكتمالها ، للتأكد من سلامة تركيب أجزائها معًا .
- ورشة كتابة : مجموعة من المؤلفين يجتمعون معًا ، ليقرأ كل منهم قصته على الآخرين ، ويستمع إلى آرائهم وتقييمهم ، ليساعده ذلك على اكتشاف وجهات نظر أخرى وهو يعيد النظر فى عمله الأدبى عندما يراجعه أو ينقحه .

عناصر الكتابة الناجحة
الكتابة الناجحة هى التى نقرؤها بسهولة ، ذلك أن أفضل الإبداعات الأدبية يمكن أن تفقد قيمتها بسبب تعقيدها ، أو لمبالغتها الشديدة فى الخيال ، أو عندما تتضمن كثيرًا من الأوصاف ، أو بسبب " الاستطراد " والخروج عن الخط الرئيسي.
أفضل أنواع الكلمات التى نستخدمها فى رواية القصص ، هى الأسماء ثم الأفعال . الأسماء والأفعال هى التى نحتاج إليها لنعبر للقارئ بوضوح عن عناصر القصة الأساسية . استخدم الاسم لتحدد شخصًا بعينه ، والفعل ليساعدك على رسم صورة فى حكاية.
استخدم الفعل الذى يصف حركة . مثلاً بدلاً من أن تقول " جلس الرجل حزينًا "، قل " انهار أحمد جالسًا على المقعد الخشبى " . إن اسم " أحمد " ، وجملة " انهار جالسًا " ، تشير إلى شخص محدد وشكل حركة معينة . لقد أصبحت الجملة قادرة على أن تجعلنا نرى شخصًا معينـًـا يقوم بفعل أو حركة على نحو محدد ، وهذا يساعد القارئ على أن يرسم بسرعة صورة فى مخيلته للموقف الذى قرأ عنه ، فيعاونه على أن يستحضر خبراته السابقة ليتعايش بقوة مع ذلك الموقف .
استخدم الأفعال لإبراز الأحداث بشكل واضح ، فبدلاً من أن تقول " كان الصَّبـِيَّان يتشاجران " ، قل " جمال وسامح اشتبكا فى صراع بالأيدى ، فسقطا على الأرض ".
عليك أن تهمل كل ما ليس له صلة وثيقة بموضوع قصتك . استبعد الوصف غير المجدى ، ولا تركز على شىء لا يتعلق بالقصة ، ولا تتعمد الحذلقة اللغوية ، واستبعد أى شخصيات ومواقف ليس لها صلة مباشرة بقصتك.
لكى تكتب قصة جيدة ، يجب أن تهتم بالجمل الافتتاحية ، والتركيز الواضح على الاتجاه العام للحدث ، ثم الشخصيات ، وبعدها تنطلق حتى تصل إلى الخاتمة.
لا تكف عن التدريب يوميًّا على الكتابة ، خصص فى برنامجك اليومى وقتًا لتكتب ( 100 ) أو ( 200 ) كلمة . وهذا هدف من المؤكد أنك تستطيع تحقيقه.
اكتب يومياتك أو مذكراتك حول أى شىء .. مجرد تسجيل لما عايشته فى يومك ، لكن عليك أن تمارس الكتابة يوميًّا . إنك بهذه الطريقة تتعود على تحويل الخِبْرات والمشاعر والأحداث إلى كلمات ، وهذا هو أساس عمل المؤلف الناجح . إن الكتابة ثم الاستمرار فى الكتابة أهم تدريب يؤدى إلى الإتقان والوضوح وسلاسة التعبير.
تعلم كيف تكتب على الكمبيوتر. إن الكتابة على الكمبيوتر خير صديق للكاتب . إنك تستطيع بسهولة وسرعة، على شاشة الكمبيوتر ، أن تضيف وتغير ، أن تصحح أو تعيــد الكتابة لأى عدد من المرات ، حتى تصل إلى صياغة واضحة مشوقة مقبولة.
اجعل بجوارك دائمًا المعجم ودائرة المعارف ، لكى تستخدمهما عندما تحتاج إليهما وأنت تكتب ، للتأكد من صحة كلمة أو معلومة تحتاج إليها فى كتابتك .
اكتب ثم اكتب. إن كل جملة فى اللغة العربية يمكن أن تكتبها فى صيغ وأشكال مختلفة ، وهذا يجعلك تتعود أن تصل إلى أوضح أسلوب لتقول بدقة وسلاسة ما تريد أن تعبر عنه .
عندما نختار الكلمة والجملة ، فإننا نسمعهما بالمعنى والإيقاع وبإشعاعهما العاطفى.
إن الكتابة الجيدة تتوافر للكاتب شديد النقد لنفسه ، والتناسق يأتى من تدريب الأذن .
اقرأ بصوت عالٍ الحوار الذى تكتبه لشخصياتك ، ونغّم الإيقاع كالممثل على خشبة المسرح، واشعر كيف يمكن للكلمات أن تترابط وأن تبين الحب أو العاطفة أو الشك وعدم الثقة أو الصداقة . لاحظ بعناية كيفية ترتيب كلماتك بالطريقة التى تريد أن يكون عليه إيقاعها بعد أن تكون قد استمعت لها جيدًا وأنت تنطقها فى ذهنك . كذلك اترك فرصة للصمت أو للتردد فى حوارك. اشطب بلا رحمة الكلمات الزائدة ، والبدايات البطيئة ، والجمود والتكلّف.
اقرأ ما كتبت بصوت عالٍ لنفسك. هذا يجعلك تتعرف بشكل أوضح على ما إذا كان الذى كتبته يُـعَـبِّر عن معنى مفهوم وواضح ، كما يساعد على الإحساس بإيقاع الكلمات والعبارات. وقد يكون أكثر فائدة إذا قرأت ما كتبت بصوت عالٍ على آخرين ، سواء على أفراد الأسرة أو الأصدقاء .
اقرأ ثم اقرأ ثم اقرأ . طالع كل شىء وأى شىء ، وعلى وجه خاص اقرأ أعمال كبار الكُتَّاب . القراءة ستصقل قدراتك اللغوية ، والقدرة على التعبير السليم الواضح الدقيق. سيفيدك الاطلاع فى التعود على وضوح وسلامة عرض السرد والحوار، وعلى سلامة وسلاسة صياغة وإيقاع الجمل والتراكيب . إن الكاتب بالدرجة الأولى قارئ جيد ، ومن الضرورى أن تكتب بقدر ما تقرأ. وعندما تقرأ عليك أن تفكر وتحلل وترى الشخصيات والأفكار والأحداث كما أبدعها كبار الكُتَّاب فى شكل قصص قصيرة . إن الخبرة الحقيقية بالقصة القصيرة ، تأتى بالدرجة الأولى بقراءة العمالقة فى هذا الفن.

خطوات عملية الكتابة
يخوض الكاتب عدة خطوات، ينتقل بها من الفكرة الأساسية حتى يصل إلى المُنْتَج النهائى وهو القصة المكتملة . أحيانـًـا قد تضطر إلى العودة إلى خطوة سابقة ثم تعود لتتحرك إلى الأمام ، وأحيانـًـا تتخطى خطوة أو مرحلة.
وفيما يلى الخطوات التى يمكن أن تخوضها عندما تكتب قصة : لكن عليك أن تعتبر هذه الخطوات مجرد إرشادات عندما تقوم بعملية الكتابة أو التأليف.
ما قبل الكتابة ، أو خطوة تجميع عناصر البناء الفنى و " بلورة الأفكار " :
فى هذه الخطوة عليك أن تجمع ثم تختار الأفكار التى يمكن أن تكتب عنها . مثلاً يمكن أن تتأمل بعض الصور ، مثل الصور العائلية أو صور بعض الأصدقاء أو مِن طفولتك . أو أن تقرأ كتبًا ، أو أن تقوم ببحث أو دراسة عن موضوع معين ، أو تقوم بــ " عصف فكرى " ، بمعنى أن تضع على الورق كل الأفكار والخواطر التى ترد على ذهنك حول موضوع معين بغيـر أن تستبعـد منهـا شيئـًا . إن كلمة واحدة أو جملة واحدة من هذه الخواطر التى تراها متفرقة أو غير مترابطة ، قد تكون المفتاح الحقيقى لتكتب عملاً فنيًّا جيدًا .
اكتب قوائم بالأفكار والموضوعات .. تحدث إلى الآخرين من الأصدقاء حول ما تفكر فيه ، مع إعادة التفكير مرة بعد أخرى فى كل ما توصلت إليه .
ارسم بالكلمات بغير أن تحاول تحسين أو إجـادة رسـم مـا خطـر ببالك مـن شخصيـات أو أماكـن . اجمــع معلومات من خبراتك السابقة ومن الواقع ، ومن دوائر المعارف ومن الكمبيوتر ، ومن المتاحف التاريخية والفنية والعلمية .
فى هذه المرحلة يمكن أن تكتب بعض الأشياء . أنا أطلق عليها " شخبطـة " ، بمعنى أن تضع على الورق ما يخطر على بالك بغير الاهتمام بالصياغة أو دقة المعنى . فى هذه المرحلة يمكنك أن " تصيد " فكرة جديدة أو مبتكرة وهو ما يميز العمل الأصيل ، وهذا لا يأتى غالبًا بشكل واضح ، لكنه يتكشف أثناء عمليات البحث والتفكير.
قد تكتب هذه الملاحظات السريعة عن شخصيات قصتك وما هى خصائصها ومميزاتها ، وكيف ترى كل شخصية الشخصيات الأخرى . كما أنك قد تقضى وقتـًـا لتصور المكان أو الأماكن التى تقع فيها الأحداث ، لكى تتعايش معها وأن تكتب فى الخطوات التالية .
مرحلة " اختمار الأفكار " أو " حضانة الأفكار " :
عدد كبير من الكُـتـَّـاب يهتمون بأن يتوقفوا عند هذه المرحلة التى تختمر فيها الأفكار والتصورات التى جمعوها ، وذلك كما يحتضن الطائر بيضه إلى أن يصبح الفرخ داخل البيضة مُستعدًّا للخروج من بيضته .
إن مرحلة " حضانة الأفكار " أو " اختمارها " تأتى عندما يجمع المؤلف مختلف الأفكار والتصورات ، ويضع أمامه حصيلة " العَـصْف الفكرى " ، ويصل إلى " الحكاية " التى سيعبر من خلالها عن الأفكار التى اختمرت .
بعد أن يستقر الكاتب على ما يريد أن يحكى عنه قصته، يتوقف عن القيام بأى شىء لمدة يوم أو يومين ، أو أسبوع أو أسبوعين . ويتوقف هذا على طول القصة ، وعلى الوقت الذى يحدده المؤلف لنفسه للانتهاء منها.
ليس معنى هذا أن يجلس المؤلف مسترخيًا يتأرجح على مقعد ، بل على المؤلف أن يقوم بأشياء أخرى ، كأن ينشغل بمشروعات أخرى للكتابة .. قد يكتب مقالاً أو نقدًا ، أو رسالة لصديق حول موضوع يشغله ، أو حتى يقوم بأعمال روتينية مثل ترتيب مكتبته وكتبه ، أو الذهاب للاشتراك فى ندوة ، أو إجراء مقابلات عمل ، أو الذهاب إلى المدرسة ، أى القيام بالأشياء المعتادة ، ويترك أفكار القصة " تنضج " فى خياله وفكره . وبهذه الطريقة تتخذ الأفكار شكلاً أفضل ، وتتجمع الخيوط فى خيط واحد . لذلك ، عندما يعود الكاتب إلى استئناف كتابة قصته ، ستكون لديه فكرة أوضح عما يريد أن يكتب عنه .
فى نهاية هذه المرحلة ، يكون فى استطاعتك أن تضع مُخطَّطًّا أو إطارًا للهيكل الأساسى لقصتك . وهذا المخطط أو الإطار يمكن أن يتغير أثناء التقدم فى الكتابة ، لكنك ستستفيد منه فى أن تتعرف على الهدف الذى تريد أن تصل إليه ، والطريقة التى يمكن أن تستخدمها للوصول إلى ذلك الهدف.
خطوة " المسودة الأولى " :
عندئذٍ تأتى الخطوة الضرورية التالية ، وهى ترتيب الأفكار والكلمات والجمل والفقرات على الورق ، مع رسم ملامح الشخصيات وعلاقتها ببعضها ، والاستقرار على الحبكة أو العقدة أو ما يثير الصراع بين الشخصيات ، مع الاستقرار على ملامح البيئة المكانية الزمنية للقصة .
فى هذه المرحلة لا تقلق كثيرًا على كيفية استخدام الكلمات أو حتى على سلامة الهجاء أو النحو . عليك فقط أن تترك عصارة إبداعك تتدفق إلى أن تنتهى من كتابة المسودة الأولى . إنك إذا توقفت طويلاً لتصحيح تركيب جملة أو اللغة أو الهجاء ، فإن تدفق نهر إبداعك سيبطئ أو حتى قد يتوقف .. عليك إذن أن تتركه يتدفق.

خطوة " إعادة التحرير " ، أو " التنقيح " :
بعض الكتاب يحبون أن ينقحوا بسرعة المسودات الأولى، وآخرون قد يتريثون فى مرحلة حضانة أو اختمار أخرى . ومهما كان الذى تفعله فى هذه المرحلة ، فعليك أن تتذكر أن نصف مخك الأيمن مشغول بما تستخدمه فى الكتابة فعلاً ، وهو النصف الذى تختزن فيه ما ستوظفه من خلال قدراتك الإبداعية . أما نصف مخك الأيسر فإنك تحتفظ فيه بقدراتك المتفوقة لإعادة تحرير ما اختزنت فى النصف الأيمن .
ومن الأفضل أن تتجنب أن تقوم فى نفس الوقت بعمليتين معًا : العملية الإبداعية مع عملية التنقيح وإعادة التحرير . فى المحل الأول ، عليك أن تكون كاتبًا متمسكًا بقدراتك الإبداعية وممارسًا لها ، ثم قم بأشياء أخرى مختلفة ، أو على الأقل تنفس بعمق عدة مرات لتغير الجو المحيط بك . ثم ارجع لتصبح قادرًا على إعادة الكتابة والتنقيح حتى تصل إلى تحقيق " الجو العام " الذى يجب أن يسود القصة ويعطيها التماسك والانسجام .
إن الإبداع هو القدرة على خلق النظام من الفوضى ، وهذا يسمح للكاتب أن يتناول كل شىء فى قصصه - وعليه فقط أن يبتعد عن العواطف السقيمة ، والحشو ، والوعظ ، والتعصُّب ، والاسترسال فى الوصف لمجرد الوصف .
وفى نهاية مرحلة التنقيح وإعادة الكتابة ، يمكن أن تصحح الأخطـاء الهجائيــة واللغوية وعلامات الترقيم .
تأمل فيما كتبت لتتأكد أنه أصبح له معنى واضح ومترابط ، وأنك وصلت إلى ما تريد أن تقول وما قصدت أن توصله إلى المتلقى ، وهو " الانطباع العام " الذى يمكن أن تتركه القصة لدى القارئ.
خطوة " التعرف على الاستجابة " ، أى " استجابة الآخرين لما كتبت " :
فى هذه المرحلة عليك أن تعرف رأى شخص آخر فيما كتبت . يمكن أن تسأل صديقًا أو أصدقاء ، والدك أو والدتك ، أحد المدرسين أو غيرهم ، ليقرأ عملك ويقول رأيه فيما كتبت.
وعندما ينقل إليك الآخرون رأيهم فيما كتبت ، عليك أن تكون مستمعًا جيدًا : ركّز فيما تسمع بدقة . إنها فرصة لتكتشف إذا ما كان الآخرون قد استجابوا إلى عملك كما توقعت . وإذا لم تجد رد الفعل الذى توقعته ، فقد يحتاج الأمر أن تقوم ببعض التعديلات ، ذلك أنه قد يكون لدى قرائك بعض الأفكار والاقتراحات لتصل بقصتك إلى مستوى أفضل ، فعليك عندئذٍ أن تفكر وأن تعيد التفكير فى كل شىء قاله كل قارئ .
ومن المحتمل ، فى أحوال كثيرة ، أنك قد ترى أنك لست فى حاجة إلى استخدام " كل " الملاحظات التى سمعتها ، لكنك قد تجد على الأقل ملاحظة واحدة مهمة تفيدك إذا اهتممت بها . لذلك كن يقظًا لكل ما تسمع وضعه أمامك موضع التساؤل والتقدير ، حتى إذا رأيت فى النهاية أن معظمه لن يفيدك بصورة أساسية ، لكنه قد يفتح أمامك آفاق التفكير بطريقة مختلفة فيما كتبت.
تذكر دائمًا أنك فى حاجة إلى أن ترى ما كتبت مـن خـلال عيـون الآخريـن ، لأنـك لا تكتـب لنفسك بل للمتلقى . إن كتابة القصة هى وسيلة تواصـل بينــك وبيــن القــارئ ، وعليــك أن تتأكد أن ما أردت أن تنقله من خلال القصة قد وصل واضحًا وأنه محل تـَقَـبُّل من الآخرين عن طريق ما كتبت ، ولا تكتفِ بأنه واضح داخل عقلك أنت وحدك .

مرحلة " المراجعة " :
فى هذه المرحلة ستوجه اهتمامًا خاصًّا للاستجابات التى سمعتها من الآخرين ، والتى رأيت أنها يمكن أن تساعدك لتجعل قصتك أفضل . يمكنك أن تعيد كتابة قصتك على أى وجه تشاء، مستعينـًـا بما رأيت من أفكار إيجابية قد وصلتك . وعندما تنتهى من هذه المرحلة ، ستجد أنك قد أكملت مسودة أخرى أكثر اكتمالاً من سابقتها.

مرحلة " التقويم " :
يمكن أن تتخذ هذه المرحلة أشكالاً مختلفة ، فيمكن أن تتضمن الاستماع إلى آراء آخرين بعد ما قمت به من إعادة الكتابة . بل إنها قد تكون مرحلة تتعرف فيها أنت نفسك على رأيك فى قصتك بعد ما أجريت فيها من تعديلات. إن كل المؤلفين يحتاجون إلى نوع من التقويم لعملهم ، لذلك حاول أن ترى قصتك وكأن كاتبًا آخر هو الذى كتبها.

مراجع الدراسة في الجزء الرابع والأخير

يعقوب الشاروني