إن بداية فصل دراسي جديد يمثل بالنسبة لطلبة المؤسسات التعليمية العليا (أي مؤسسات التعليم ما بعد المدرسة) سواءً جامعات أو كليات، استمراراً لفصل دراسي انقضى فيما يتعلق بتأثيراته النفسية على الطلبة، حيث يدخل معظم الطلبة مع نهاية الفصل الدراسي في حالة من الاستنفار للاستعداد للامتحانات النهائية، فغالباً ما يعمل معظم الطلبة ضمن جدول التعزيز المتقطع، وهذا يكون له تأثير على ما يبذلونه من جهد أكبر خلال فترة الامتحانات النهائية مما قد يستنفد طاقاتهم، ومع بداية الإجازة لما بين الفصلين يدخل الطلبة في حالة من السكون بحيث ينأ معظم الطلبة بأنفسهم عن أي نشاط عقلي، ومع بداية الفصل الجديد قد يبدأ معظم الطلبة فصلهم الدراسي بحالة من ضعف النشاط أو الدافعية لبذل جهد مناسب في الدراسة، والبعض يكون لديهم اعتقاد بأن أسبوع السحب والإضافة فرصة للاستمرار في إجازتهم من الدراسة، وقد يفاجئ معظم الطلبة بالامتحانات الأولى وقد تراكمت المادة الدراسية دون الاستعداد الجيد، فيدخلون بسلسلة دورية من جدول التعزيز المتقطع حيث يعملون على زيادة الجهد خلال فترة الامتحانات مما يؤدي إلى دخولهم في حالة من الاستنزاف والرغبة في الراحة، ومن ثم تراكم المادة الدراسية للامتحان التالية، وهذا النمط السلوكي والفكري تجاه الجهد الدراسي يؤثر سلباً على تركيز وطاقة الطلبة ومن ثم إنجازهم الدراسي.
ومن الأمور الأخرى التي قد تؤثر على الوضع النفسي لطلبة المؤسسات التعليمية العليا، ويحتاج للاستعداد النفسي المناسب من قبل الطبلة، مدى مناسبة المساقات الدراسية التي يسجلونها خلال الفصل، من حيث مستوى صعوبتها للسنة الدراسية التي ينتمي إليها الطالب، وفيما إذا كان لها متطلباً سابقاً لتكون ميسورة ومفهومة بالنسبة للطالب. حيث إن تسجيل المواد بطريقة عشوائية من قبل الطلبة قد يؤثر على أدائهم الدراسي، بل وعلى نظرتهم لذاتهم؛ فقد يتشكل لدى الطلبة نظرة سلبية لقدراتهم، وبأن المرحلة الجامعية أعلى من مستوياتهم العقلية، رغم أن انخفاض الانجاز الدراسي قد يرتبط بسوء تنظيم أو اختيار للمواد، وليس بالقدرات لدى الطالب.
ومن جانب آخر فإن للطريقة التي يسلك بها الطلبة تجاه وقتهم وكيفية استغلاله خلال الفصل الدراسي دوراً كبيراً، على وضع الطالب الدراسي والاجتماعي والنفسي، والتي تحتاج إلى استعداداً نفسياً مناسباً من بداية الفصل الدراسي، وذلك لتجنب للتأثيرات السلبية. ففي بيئة دراسية يكون للطالب فيها حرية أكبر في إدارة وتنظيم وقته وكيفية استغلاله، ويتحمل فيها الطالب مسئولية حياته بعيداً عن مراقبة الأهل، والضبط المباشرة من قبل المدرسين، حيث أن ما يحكم سلوك الطالب وانضباطه في حضور المحاضرات وإنجاز الواجبات الدراسية، دافعية الطالب ورغبته بالدرجة الأولى، ثم مدى معرفته بالقوانين، وما لديه من مسئولية ذاتية لاحترام القوانين والالتزام بها. إن بعض الطلبة قد يتعاملون مع هذا القدر من الحرية والمسئولية، بالإضافة إلى تعدد الأنشطة حولهم في البيئة التعليمية مع توفر شبكات التواصل العنكبوتية من قبل المؤسسة، بطريقة غير مناسبة بحيث قد يقضي البعض منهم الجزء الأكبر من الوقت في نشاطات اجتماعية أو عاطفية أو ترفيهية أو حتى نشاطات لامنهجية مثل الجماعات الطلابية (مع أهميتها لتنمية شخصية الطالب)، على حساب مسئوليتهم الدراسية مما قد يؤثر سلباً على إنجازهم، ومن ثم على نظرتهم لذاتهم وحالتهم النفسية، خاصة إذا ما تعرضوا لخبرات من الفشل الدراسي، والأكثر من ذلك قد تتأثر طريقة التفكير لديهم، حيث قد يبدأ البعض بتبني أفكار لاعقلانية لتفسير ما قد يتعرضون له من انخفاض دراسي، كعزوه للحسد أو السحر، بدلاً من تقييم جهدهم المبذول بطريقة منطقية والعمل على تعديله.
إن في مرحلة الدراسة في مؤسسات التعليم العليا، وعلى خلاف المراحل ما قبل المؤسسات التعليمية العليا، فإن الجهد الأكبر للاستعداد النفسي يقع على كاهل الطلبة، حيث أن الإفادة من الخدمات التي توفرها مؤسسات التعليم التي ينتمون إليها كخدمات الإرشاد النفسي والإشراف الأكاديمي، في معظمها خدمات تقدم طبقاً للرغبة الطوعية للطلبة. فكلما كان الطالب أكثر وعياً بأهمية تلك الخدمات، وسعى للإفادة منها يستطيع التعامل مع المخاطر المحتملة، ويمتلك قدرة أكبر على تنظيم وقته، وتقسيم جهده، والتعامل مع الضغوطات التي قد يتعرض لها، كما يمكن أن يستفيد من توجيهات مقدمي الخدمة لتسجيل المساقات المناسبة لكل فصل، بصورة تمكنهم من التكيف والاستعداد النفسي مع كل فصل بطريقة مناسبة.

د.عائشة محمد عجوة
أخصائية إرشاد وتوجيه مركز الإرشاد الطلابي