اختيار فكرة مقال هذا الأسبوع لم تكن سهلة، فمعظم المواضيع ركبت القوارب والبحر هائج فأخذت الأمواج تتقاذفها تارة يمينا وتارة يسارا ولم تعرف لها سبيلا، فكان ركوب أحد هذه القوارب مجازفة قد تنتهي في أحد المحيطات ومصير العودة للبر غير مؤكد فقررت اختيار بقعة هادئة على الشاطئ أستمتع فيها بهواء البحر ومنظر الزرقة الممتد على امتداد البصر، أعبئ رئتي بالهواء المجاني كما علمني المدرب في حصة الاسترخاء محاولة نسيان ما يتداول من مواضيع وردود الأفعال التي لا ترقى بأن تمثل مجتمعا معروفا برقيه واحترامه للآخر. حاولت أن أسحب تفكيري للضفة الإيجابية فتذكرت بأن هناك مناسبة جميلة قادمة ألا وهي عيد الأم ، تذكرت أمي وكلماتها التي دائماً ما ترددها عندما تشاهد ملامح وجهي دون أن يكون بها تفاصيل مفهومة كانت تقول لي (لا تتجهمي هكذا فما تشاهدونه وتسمعونه في هذه الأيام هي مجرد كلمات يتقاذفها البعض فتنشأ نتائج أنتم في غنى عنها، لم تعيشوا قبل أربعين سنة حين كان كفاح العيش والجهاد المجتمعي من أجل بناء الاستقرار الذي أنتم فيه الآن ، كانت تلك الأيام أفعالا تُرى الكل كان هدفه بناء عمان التي ترونها اليوم لم نكن نعرف ولا نسمع بمصطلحات "المصلحة الشخصية ولا حب الكراسي ولا الفساد" جميعها مصطلحات ظهرت في فترة فساد النفس وموت الضمير، الكل كان يجتهد ويبني في كل المجالات ، كان الجميع على هدف واحد وهو عُمان ، كان صاحب العقل الكبير (قابوس ـ حفظه الله ورعاه) يفكر وعقول أخرى تساعد وتنفذ. إن ما يميز تلك الفترة أن التجارب الإنسانية والعقل البشري الناضج وذوي الحكمة هم من كان يأخذ برأيهم من خاضوا الحياة بحلوها ومرها وليس ما نشاهده اليوم من قرأ كلمتين أصبح يصول ويجول برأيه الذي يفرضه على الآخر بأساليب من السهل أن يصطاد بها بعض العقول الضعيفة والشخصيات التي تبحر بلا مبدأ وليس لها طريق تسير عليه.
المسجد كان مدرستنا فكنا نستقي تعليمنا منه وحياتنا كانت مبنية على الحرية في حدود الدين. كنا نُنظم يومنا بالصلوات نبدأ بصلاة الفجر وننهي اليوم بصلاة العشاء كان القرآن هو الكتاب الذي تستقى منه كل المعلومات وبه تنظم الحياة ، لكن الآن أصبح الدين لدى البعض عبادة فقط يؤدي الخمس صلوات ويصوم رمضان أما حياته فهي بعيدة عن الدين كل البعد، والبعض الآخر اكتفى بتسجيله مسلما في الأوراق الرسمية فجعل عقله يبحث عما هو خلاف أوراقه الرسمية بحجة أن الحياة تأمل وتفكر لا يقيدها دين معتقدين بأن الدين قيد ويجب كسره للبحث عن النجاح في هذه الحياة، الحرية تعني لهم كسر حدود الدين والبحث عما يخالفه.
تقول أمي: كانت مكتباتنا المتواضعة مليئة بقصص الأنبياء ومؤلفات العلماء والكُتّاب والمؤلفين العمانيين الذين أثروا المكتبة العمانية بالكتب المفيدة والتي أصبحت مراجع يعود إليها كل متعطش للمعرفة والباحث الجاد وكانت هذه الكتب خير سفير لعُمان، لست مطلعة على ما ينتجه الفكر العماني اليوم لكن ما أسمعه من هنا وهناك يبدو بأن هناك بعض النتاج غير المستحب بعيداً عما يرتجي من العقل العماني.
انتبهت على صوت موجة قوية تضرب بكامل قوتها في الصخرة القريبة وعدت لأكمل روتين حياتي اليومي مع شيء من الحنين للماضي ونقاء وصفاء قلوب البشر تلك الأيام ، وعلى صوت مارسيل خليفة وكلمات محمود درويش اتجهت لأبتاع هدية لأمي لأهديها في عيدها (أحن إلى خبز أمي، وقهوة أمي ولمسة أمي وتكبر في الطفولة يوماً على صدر يوم وأعشق عمري لأني إذا مت أخجل من دمع أمي ).

خولة بنت سلطان الحوسنية @sahaf03