[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
” .. يتطلع قطاع كبير من بسطاء المصريين للمؤتمر الاقتصادي على أنه مصباح علاء الدين أو الفانوس السحري؛ الذي بمجرد انتهائه ستنهمر الأموال على مصر من كل حدب وصوب، وستنتهي الأزمة المالية، وتتوفر الوظائف، وتنخفض الأسعار ويعم الرخاء والخير على الجميع؛ دون عناء أو مشقة، أو صبر على العمل،”
ــــــــــــــــــــــــــ

نجح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى حد بعيد في تحقيق الأهداف السياسية والاقتصادية التي نظم من أجلها المؤتمر الاقتصادي؛ الذي انعقد مؤخراً في منتجع شرم الشيخ، فقد حظي المؤتمر بحضور عربي ودولي كثيف تمثل في أكثر من 100 دولة عربية وإفريقية والولايات المتحدة وكندا وأوروبا وآسيا واستراليا وأميركا اللاتينية، و25 منظمة إقليمية ودولية، وكبريات الشركات العالمية العابرة القارات والمتعددة الجنسيات.
وبينما كانت مصر تستهدف استثمارات قيمتها من 15إلى 20مليار دولار قبل انطلاق المؤتمر، قفزت القيمة إلى أكثر من 100 مليار دولار مع انتهاء المؤتمر في مجالات الطاقة، والنقل والاتصالات، والإنشاء والتعمير، والزراعة والتصنيع والخدمات البحرية واللوجستية وغيرها من المجالات الإنتاجية، والخدمية، التي طرحتها الحكومة المصرية على المستثمرين العرب والأجانب.
وكان سبب النجاح هو الإعداد والتسويق والتنظيم الجيد للمؤتمر، والإصلاحات الاقتصادية والتشريعية التي اتخذتها الحكومة المصرية قبيل بدء المؤتمر، ومنها تحرير أسعار صرف العملات الأجنبية، والقضاء على السوق السوداء للدولار، وصدور قانون الاستثمار الموحد الذي كفل ضمانات للاستثمار وحدد طريقة دخول وخروج رؤوس الأموال الأجنبية وطمأن المستثمر على أمواله ضد التأميم أو المصادرة بوثائق تضمنها الحكومة المصرية، كما نص القانون على تنظيم الإعفاءات والمزايا الضريبية وفقاً لأحكام قانون المناطق الاقتصادية الخاصة.
كما تضمن القانون الجديد جهة واحدة يتعامل معها المستثمر (الشباك الواحد)، ووضع آلية لتسوية المنازعات، وكيفية الطعن في العقود التي يكون أحد أطرافها الدولة، والطعن في قرارات التخصيص، حتى يقضي على فوضى الطعون التي كانت تتيح لأي شخص غير ذي صفة الطعن في عقود وقرارات التخصيص بين الحكومة والقطاع الخاص، وهو الأمر الذي عانى منه كثير من المستثمرين، وحدد القانون آلية تخصيص الأراضي والمدى الزمني لجدية المستثمر في استغلالها وإنشاء مشروعه.
هذا النجاح اعتبره البعض اعترافاً وتأكيداً للثقة والدعم ومظاهرة تأييد للنظام المصري الجديد في ظل حملة تشويه شرسة وتشكيك في شرعيته تقودها دول عربية وإقليمية وجماعات ومنظمات داعمة للإخوان وللرئيس المعزول محمد مرسي ـ أججت حالة الانقسام المجتمعي بين مؤيدي ومعارضي السيسي ونظامه حتى تعدى الخلاف حدود مصر إلى بقية الدول العربية ـ فشاهدنا حالة التجاذب التي سادت بين أبناء بعض الدول العربية التي قدمت الدعم لمصر قبل وخلال المؤتمر؛ ما بين مؤيد لهذه الخطوة باعتبارها دعماً ورداً للجميل للشقيقة الكبرى التي تمر بظروف اقتصادية صعبة وبين معارض؛ معتبراً أن الدعم مقدم للسيسي ونظامه المشكوك في شرعيته ونزاهته ـ من وجهة نظرهم ـ ويعتبرون هذه الأموال إهداراً للمال العام، ويرون أن مواطني هذه الدول أولى من السيسي ونظامه بهذه الأموال.
ويتطلع قطاع كبير من بسطاء المصريين للمؤتمر الاقتصادي على أنه مصباح علاء الدين أو الفانوس السحري؛ الذي بمجرد انتهائه ستنهمر الأموال على مصر من كل حدب وصوب، وستنتهي الأزمة المالية، وتتوفر الوظائف، وتنخفض الأسعار ويعم الرخاء والخير على الجميع؛ دون عناء أو مشقة، أو صبر على العمل، والمتسبب في ذلك .. الحملة الإعلامية التي سبقت المؤتمر التي سربت هذا الإحساس الكاذب لهؤلاء البسطاء، عندما أسهبوا في تقدير حجم الأموال، والتدفقات النقدية التي ستنهال على مصر والمصريين بغير حساب.
بعض المحطات الفضائية وضعت عداداً على جانب الشاشة، يظهر العد التنازلي لبداية المؤتمر، ومجئ الفرج والخلاص من الفقر؛ دون أن يشرحوا لهؤلاء البسطاء، أن هناك فرقاً كبيراً بين الهبات والمساعدات والمنح التي لا ترد، وبين الاستثمارات التي تنشئ مشروعات وتتيح فرص عمل، ولا يظهر أثرها إلاّ بعد حين وبشرط توفر شروط نجاحها، وتحقيقها للربح والمنفعة لصاحب رأس المال حتى وإن كانت مصر من أكثر الدول التي تدر أرباحاً للمستثمرين على مستوى العالم حسب تقرير البنك الدولي؛ بفضل امتلاكها سوقاً يضم 90مليون زبون، وموقعاً جغرافياً استثنائياً، ومناخاً معتدلاً طوال العام، وتوافر الموانئ البحرية وطرق المواصلات، ومصادر الطاقة والمواد الخام، ووفرة الأيدي العاملة.
ولكن للأسف هناك تغيرات طرأت على مناخ الاستثمار في مصر عقب ثورة يناير2011م؛ لعل أسوأها: تمرد العامل المصري على صاحب العمل، وعدم رضاه على ظروف العمل من راتب، وتأمين صحي، وضمان اجتماعي، ولعل هذا يفسر سبب إغلاق آلاف المصانع والشركات المصرية والأجنبية، منذ اندلاع الثورة نتيجة الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات؛ التي لم تخل منها منشأة صناعية أو تجارية أو خدمية حكومية أو خاصة، وتسبب ذلك في توقف عجلة الإنتاج، وتفشي البطالة.
كان لزاماً على الحكومة المصرية، طرح رؤيتها للعلاقة بين العمال وأصحاب العمل، وتأكيد انحيازاتها الاجتماعية وإعلانها أمام المؤتمر الاقتصادي، وكان لابد من أن يرافق قانون الاستثمار قانون عمل، يحدد فيه الحد الأدنى للأجور، والحقوق والواجبات المترتبة للعمال وينظم الحق في الإضراب؛ لضمان استقرار العلاقة المضطربة بين العمال وأصحاب الأعمال، ولكن الحكومة انشغلت بجذب الاستثمارات ، والإصراف في إعطاء المزايا، والتسهيلات للمستثمرين ـ دون دراسة مستجدات بيئة العمل لتكرر تجربة نظام مبارك الذي تحجج بآليات السوق وسياسة العرض والطلب وانحاز لرغبات رجال الأعمال على حساب المسؤولية الاجتماعية وحقوق العمال.
إذا كانت الحكومة المصرية جادة في مسعاها لتحقيق تنمية حقيقية عادلة تصب في مصلحة الجميع، عليها ألاّ تكرر أخطاء الماضي، وأن تضع مصلحة المواطن المصري البسيط نصب عينيها، وألاّ تجامل جهة أو شخصاً مهما كان في حق من حقوق الدولة، وألاّ تنخدع بمؤشرات وأرقام، لا نرى لها أثراً على أرض الواقع.
فعندما قامت ثورة يناير 2011م كان معدل النمو الاقتصادي في مصر يلامس 8% سنوياً، وصل لـ 2،2% في 2014م ، وبلغ عجز الموازنة حوالي 8% ، ارتفع بعد الثورة ليصل 13،7% وهي واحدة من أعلى النسب سوءاً على مستوى العالم وكانت مصر تمتلك 36ملياراً احتياطات نقدية ، تراجعت بعد الثورة إلى 15،4مليار دولار رغم أكثر من 25 مليار دولار مساعدات عربية، وكان إجمالي الدين العام 73% من إجمالي الناتج القومي الذي وصل إلى 187،3 مليار دولار وكانت نسبة البطالة 8،9% وصلت 13% في 2014م ، وتراجع الاستثمار الأجنبي من 13مليار دولار في 2010م إلى 2،2مليار العام الماضي.
هذه الأوضاع قبل الثورة لم تكن مثالية، وكانت نسب النمو المرتفعة تصب في "حجر" فئة محدودة من المجتمع المصري، دون أن يشعر بها السواد الأعظم من المصريين ، حيث وصل معدل الفقر إلى 22% قبل الثورة ، زاد بعد الثورة إلى 27% ، مع وجود 20% آخرين يقتربون من خط الفقر، بينما تركزت 30% من الثروة (الناتج القومي) في يد 10% فقط من السكان، في تأكيد لظاهرة تركز الثروة بمصر في أيدي فئة قليلة من السكان، واتساع الهوة بين الفقراء، والأغنياء، وهو ما أدى لهذا الانفجار الذي أشعل الثورة، ضد مبارك ونظامه في 25يناير.