شهدت الفترة الماضية العديد من التطورات الهامة فيما يخص أسواق العمل الخليجية استوجبت العودة لهذا الموضوع. وأولى هذه التطورات عقد اللقاء الوزاري التشاوري الثالث للدول الآسيوية المرسلة والمستقبلة لليد العاملة (حوار أبو ظبي 3) في دولة الكويت حيث لا تزال الدول المرسلة تمارس ضغوط بأساليب مختلفة لتحسين أوضاع رعاياها من اليد العاملة الوافدة وتسعى لفرض شروط غير مقبولة.
في المقابل تسعى دول المجلس لاتخاذ عدد من الإجراءات التي تحمي مصالحها في مواجهة تغول شروط الدول المصدرة لليد العاملة، ومنها وضع سقف زمني على فترة بقاء اليد العاملة الأجنبية وخاصة غير الماهرة. كذلك الاتفاق على العقد الموحد لليد العاملة المنزلية والغاء الضمان البنكي للدول المرسلة لليد العاملة والمحدد بـ 2500 دولار للشخص، من منطلق رفض اي قيود تعيق حركة اليد العاملة المنزلية ولاسيما أن منظمة العمل الدولية لا تفرض أي قيود على حركة العمال.
بالتزامن مع تلك التطورات، جددت الهند إعلانها عن خططها لرفع سقف مطالبها في ما يتعلق بأجور عمالها في دول الخليج، حيث تقدر عدد عمالتها في دول المجلس بنحو 5 ملايين عامل أي يزيد عن ربع مجموع اليد العاملة الأجنبية في هذه الدول.
ووسط هذه التصريحات يتفق معظم المراقبين أن بعض دول الخليج العربية ما زالت غير مهتمة بالقضية السكانية ومستمرة في طلب العمال الآسيويين، بل تعدى ذلك إلى القيام بحملات ترويجية وتشجيعية على البقاء والاستقرار للمقيمين والاستقطاب للعوائل للإقامة الدائمة وذلك من خلال عروض التملك للأراضي والمشاريع العقارية.
غير أن الأهم من ذلك كله أن إثارة موضوع اليد العاملة الوافدة يأتي في وقت تتفاقم فيه مشكلة الباحثين عن العمل الهيكلية في دول التعاون حيث إن معظم الوظائف المعروضة غير موجهة اليد العاملة الوطنية بقدر ما هي موجهة اليد العاملة الأجنبية بسبب خلل هيكلية الأنشطة الاقتصادية. كذلك الحاجة إلى إيجاد الوظائف لمئات الآلاف من الشباب الداخلين إلى أسواق العمل في دول مجلس التعاون سنويا، ويحذر هؤلاء من الآثار السلبية المتعاظمة لهذه المشكلة حيث تراوح نسبة الباحثين عن عمل بين المواطنين بدول التعاون ما بين 7 و15 في المائة بينما نسبة اليد العاملة الأجنبية في بعض دول الخليج تصل إلى 80 في المائة من إجمالي قوة العمل.
من هنا بات من الضروري قيام مجلس التعاون الخليجي بوضع إستراتيجية تعاونية شاملة ومتكاملة تشتمل على الخطط الزمنية والإجراءات العملية ذات الرؤية الواضحة والجادة في التنفيذ، تستهدف الحد من تدفق العمال الوافدين وإحلال وتوطين اليد العاملة الوطنية بدلاً منها. ويشمل ذلك الاهتمام بأساليب تخطيط القوى العاملة وربطها بخطط وبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفقـًا لأولوياتها المستقبلية. كذلك تكوين أجهزة متخصصة في وزارات العمل في دول مجلس التعاون الخليجي لتجميع إحصائيات سوق العمل والمعلومات المرتبطة بالموارد البشرية ، والربط الالكتروني بين هذه الأجهزة بما يسهم في التعرف على حركة اليد العاملة الوافدة بين دول المجلس واتجاهاتها ومعدلات نموها خاصة مع قيام السوق الخليجية المشتركة . كما أن على دول التعاون مجتمعة إعادة النظر في القوانين والتشريعات ونظم العمل الخليجية بما يساهم في إحلال اليد العاملة المواطنة محل اليد العاملة الوافدة. كذلك تنسيق مزايا العمل والضمان الاجتماعي في القطاعين العام والخاص بما يشجع اليد العاملة الوطنية للعمل في أنشطة القطاع الخاص، وبالتالي تقليل الاعتماد على اليد العاملة الوافدة في هذه الأنشطة.

حسن العالي