أوضحنا في إحدى مقالتنا- عند الحديث- عن الشروط الواجب توافرها في المترشح لعضوية مجلس الإدارة أنه في مقابل السلطات الواسعة التي يتمتع بها أعضاء مجلس الإدارة ألزمهم المشرع بالعديد من الالتزامات والواجبات، وان كانت هذه الواجبات متشعبة ومصادرها متنوعة الا أن جميعها تهدف الى ما يطلق عليه "الإدارة الحسنة" ولعل من أهم تلك الواجبات الملقاة على عاتق أعضاء المجلس محور حديثنا هذا "واجب الإفصاح والشفافية" والمتتبع في هذا الشأن يجد أن مصطلح الإفصاح أصبح يتردد في الآونة الأخيرة على نطاق واسع، كما نجد أن مصطلح الشفافية دائما ما يكون ملازما له. ويقصد بالإفصاح، اتباع الشركة ممثلة في مجلس ادارتها سياسة الوضوح الكامل، وإظهار جميع الحقائق المالية المهمة التي تعتمد عليها جميع الأطراف في الشركة.
ولهذا لا يعني الإفصاح فقط مجرد توفير البيانات والمعلومات والسماح بالإطلاع عليها، بل يمتد ويتسع معناه الى تعهد الشركة بتقديم هذه البيانات وتلك المعلومات وتوصيلها بصفة دورية الى كل المساهمين والجمهور لكي يستفيد منها الجميع. أما مفهوم الشفافية فيعني بيان المعلومات التي تعرضها الشركة لتعكس حقيقة موقفها المالي... وبمعنى أكثر وضوحا تعني الشفافية قيام الشركات والجهات يتوفير البيانات والمعلومات وكذلك التقارير للمساهمين والقائمين على سوق الأوراق المالية وفقا لمركز مالي حقيقي يمكنهم من تحديد النشاط المالي والمستقبلي للشركة كما تعني الشفافية أن يطلع الجميع بما فبهم المستثمرين سواء أكانوا من داخل الدولة أو الخارج على كافة المعلومات والحقائق المتعلقة بالاستثمار في البورصة... ولعل البعض يتساءل ما هي الفوائد التي يحققها الافصاح والشفافية...؟ وهذا التساؤل أجابت عليه الهيئة العامة لسوق المال في أكثر من مناسبة، حيث أوضحت أن تبني شركات المساهمة العامة لسياسات واجراءات الافصاح والشفافية تمكن المستثمر من التعرف على القيم الحقيقية لأسهمها، كون التقيم يتم بشكل معقول.
كما أنه عن طريق الافصاح والشفافية يستطيع المستثمرون أن يبدوا توقعاتهم بشأن مستقبل استثماراتهم بشكل واقعي... يضاف الى أن الافصاح الجيد والسليم يؤدي بطبيعة الحال الى تبني الشركة معاير ومقايس جيدة يتم عن طريقها قياس أداء الشركة ومجلس ادارتها وكفاءة هذا الأخير... أيضا يلعب الافصاح دورا مهما في التقليل من المخاطر والذي بدوره يجسد في قيمته أسهم الشركة ويقلل من التقلبات الحادة لأسعار الأسهم في الأسواق المالية... وبايجاز يعد الافصاح والشفافية العمود الفقري لأي سوق مالي... أما الحالات التي يتوجب فيها الافصاح كأحد الواجباتالملقاة على عاتق مجلس إدارة شركة المساهمة العامة فيمكن ضمها لخمس حالات يأتي في مقدمتها "الافصاح عن أسهم الضمان والأسهم الأخرى" وتفسير ذلك أنه بالنسبة لواجب افصاح أعضاء المجلس عن أسهم الضمان والأسهم الأخرى التي يملكونها هم وزوجاتهم وأولادهم بالشركة ومصالحهم في الصفقات والعقود المبرمة. يجد ذلك في الفقرة (9) من المادة (2) من القرار رقم (137/2002) حيث أوجبت هذه الفقرة على ضرورة افصاح الشخص المرشح لعضوية المجلس عن ملكيته للأسهم المطلوبة قانونا "يشترط فيمن يترشح لعضوية مجلس إدارة شركة المساهمة العامة أن يقدم اقرارا متضمنا بيانا بعدد أسهمه ان كان من المساهمين، وبأنه لن يتصرف فيها تصرفا يفقده صفته كمساهم بالشركة طوال مدة عضويته."
كما أن المشرع العماني وفقا للمادة (7) من قانون سوق رأس المال ألزم كل شخص يملك أو تصل مساهمته هو وأولاده القصر الى 10% فأكثر من أسهم أي شركة مساهمة أن يعلم الهيئة بذلك بكتاب خطي وأن يعلمها بأي تعامل أو تصرف يجريه ويؤدي الى زيادة هذه النسبة فور حدوثه... كما أنه لا يجوز لشخص أو أكثر من الأقارب حتى الدرجة الثانية تملك 25% أو أكثر من أسهم شركة مساهمة طرحت أسهمها باكتتاب عام من أجل السيطرة عليها... وثاني هذه الحالات "الافصاح في حالة تعارض المصالح" فوفقا للمادة (108) من قانون الشركات يحظر لعضو مجلس الإدارة أن تكون له مصلحة مباشرة أو غير مباشرة فيما تجريه الشركة من صفقات أو عقود لحسابها. وقد أكد ميثاق تنظيم وإدارة شركات المساهمة العامة على ذلك حيث استهل الميثاق هذه القواعد بنص المادة (19) التي يجري نصها بالآتي "لا يجوز أن يكون لأي طرف ذي علاقة أي مصلحة مباشرو أو غير مباشرة في الصفقات والعقود التي تجريها الشركة لحسابها الا في الحالات الآتية..." أما الحالة الثالثة فهي "الافصاح عن السياسة العامىة للشركة" فأحد أهم العناصر التي يجب أن تشملها سياسة الافصاح والشفافية في الشركة هو الافصاح عن السياسة العامة لهذه الشركة من حيث الاجراءات التي تتخذ داخل الشركة وتعين مراقبي الحسابات والمستشار القانوني للشركة- وغيرها من القرارات وهذا ما أكدته المادة (26) من ميثاق إدارة وتنظيم شركات المساهمة العامة "يجب أن تتضمن تقارير الشركة السنوية فصلا مستقلا عن تنظيم وإدارة الشركة مع ايضاح أي اخلال بأية متطلبات لهذه الأحكام" وكذا هو الحال للمادة (27) من ذات الميثاق.
ويأتي رابع هذه الحالات في "واجب الافصاح عن البيانات المالية للشركة" حيث ألزمت الهيئة العامة لسوق المال مجالس الادارات بالقيام بالافصاح للهيئة ذاتها وللجمهور عبر الصحف عن السياسة المالية للشركة وهذا ما أكدته المادة (7/5) من القرار رقم (37/2002) بشأن قواعد وشروط انتخاب أعضاء مجالس إدارة شركات المساهمة العامة سابق الاشارة اليه "يتولى مجلس إدارة الشركة تقديم المعلومات الى المساهمين بصورة دقيقة وفي الأوقات المحددة وفقا لتعليمات الافصاح الصادرة من الهيئة. وخامس هذه الحالات والأخيرة تتمثل في واجب الافصاح عن مكافآت أعضاء مجلس الإدارة" حيث أن الفقرة (5) من المادة (101) من قانون الشركات أوجبت على مجلس الإدارة أن يضمن تقريره الذي يقدمه للجمعية العامة العادية بيانا كاملا عن جميع المبالغ، وسائر المنافع التي يكون قد تلقاها كل عضو من الشركة خلال السنة كتعويض عن خدماته. بما ذلك المبالغ المدفوعة الى الأعضاء بصفتهم موظفي الشركة.
وفي ذات الاتجاه نص البند (12) من الملحق رقم (8) من الميثاق ... ولأهمية الافصاح، تناول المشرع العماني العقوبات المقررة على مخالفة الاخلال بواجب الافصاح، فقد جرم المشرع قيام مجلس الإدارة بالادلاء ببيانات أو تصريحات أو معلومات يعلم أنها غير صحيحة خاصة اذا كان لهذه التصريحات والمعلومات تأثير كبير على سوق الاستثمار، كما أن عضو مجلس الإدارة يعاقب في حالة اشتراكه في اعداد نشرة اصدار للاكتتاب العام مع علمه بأن المعلومات الواردة بالنشرة غير صحيحة أو لم يتم تضمينها أية معلومات هامة أو تضمينها بيانات كاذبة... لمزيد من الايضاح يمكن للقارئ الرجوع الى قانون الشركات التجارية، والقوانين المكملة له والقرارات والتعاميم ذات الصلة.

سالم الفليتي
محام ومستشار قانوني
كاتب وباحث في الحوكمة والقوانين التجارية والبحرية
[email protected]