وجد الإنسان ليحيى ويعمر الأرض ويقوم بواجب الأمانة الملقاة على عاتقه من قبل خالقه، ولهذه المقاصد جعلت القوانين المختلفة للحفاظ على حياة الإنسان وسلامة جسمه من جميع ما يعرضه للخطر من تعذيب أو إهانة أو أمراض أو حطّ من كرامته ومكانته، وقد تقرر ذلك في دستور الدولة العمانية من خلال نظامها الأساسي وغيره من القوانين الأخرى، ففي المادة (20) من الباب الثالث (الحقوق والواجبات العامة) من النظام الأساسي للدولة نص على أنه: (لا يعـرض أي انسـان للتعـذيب المـادي أو المعنـوي أو للإغـراء، أو للمعاملـة الحاطة بالكـرامة. ويحدد القـانون عقاب من يفعل ذلك. كما يبطل كل قول أو اعتراف يثبت صدوره تحت وطأة التعذيب أو بـالإغراء أو لتـلك المعاملة أو التهديد أو بأي منهما)، وتابعتها في ذلك المادة (22) من ذات الباب بالقول: (ويحظر ايذاء المتهم جسمانيا أو معنويا). كما تابعتها في مضمونها المادة (41) من قانون الإجراءات الجزائية وذلك في الفصل الثالث(الإجراءات التحفظية) أولا: القبض على المتهم، حيث نصت على إنه: (ويجب معاملة المقبوض عليه بما يحفظ عليه كرامته، ويحظر على مأمور الضبط القضائي وأي شخص ذي سلطة عامة أن يلجأ إلى التعذيب أو الإكراه أو الإغراء أو المعاملة الحاطة بالكرامة للحصول على أقوال أو منع الإدلاء بها أثناء جمع الاستدلالات أو التحقيق الابتدائي أو المحاكمة). إن استمداد التشريع العماني لحق الحياة والسلامة الجسمية للأفراد إنما يأتي إيمانا لتطبيق النظم العالمية الراعية لهذا الحق، فقد نصت بعض نصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ذلك بالقول: المادة (3): (لكل فرد حق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه). والمادة(5) (لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة). ولأجل ذلك جعل الإنسان مصانة شخصيته، كريمة سمعته، بمداومة براءته المستمرة تجاه الجرائم والأفعال إلا في حال قيام الدليل على عدم استمراريتها، فحقه في حماية سمعته ونفسه من التهم مرسومة، فهو حق لسلامته الذهنية مثل ما له حق الحياة الجسمية والمادية. ولأجل تحقيق الحفاظ على حق الإنسان في سلامته الجسمية والذهنية بما يتوافق وتطبيق القانون في مكافحة الجريمة والسعي لتحقيق وإرساء حق الأمن، فإن التشريعات العمانية نظمت تعامل رجال الأمن مع المتهمين، ومن ذلك العمل المناط برجال الأمن (الشرطة)، حيث حدد قانون الشرطة 35/90 في المواد (51 - 52) الحالات التي يستخدم فيها رجل الشرطة القوة ضد الأفراد بمختلف أنواعها وأشكالها وكذلك إطلاق النار وفق بنود وشروط وضوابط محكمة. وجاءت المادة (181) من قانون الجزاء العماني مبينة العقوبة في كل من يباشر الضرب أو الإيذاء للإنسان أثناء سعيه للحصول على معلومات معينة في سبيل الكشف على الجريمة، حيث نصت على سجنه من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات. بل إن الأمر يضحى أكبر اهتماما بتأكيد حق الحياة والسلامة الجسمية من قبل التشريع العماني حينما يتعلق الشأن بما يكون موداه مصلحة الإنسان الصحية، فقد أشارت المادة (26) من ذات الباب السابق بأنه: (لا يجـوز إجـراء أية تجربة طبية أو علمية على أي إنسان بدون رضائه الحر). فالإنسان في السلطنة ليس حقل تجارب للعمليات الطبية، أو الاكتشافات العلمية، كما هو في بعض الدول. وكذا الحال للأجنبي المقيم على أرض عمان، حفظ له حق الحياة والسلامة الجسمية بنص المادة (35) من النظام الأساسي للدولة حيث نصت على إنه: "يتمتـع كل أجنبـي موجـود في السلطنـة بصفة قانونية بحماية شخصـه وأملاكه طبقا للقـانون. وعليه مـراعاة قيم المجتمع واحترام تـقاليده ومشاعره". فعبارة "حماية شخصه" نص في الموضوع؛ لأن من أولويات حماية الشخص عدم تعريض حياته وجسمه للإيذاء المادي أو المعنوي. كما إن التشريع العماني حافظ على سلامة الإنسان وهو جنين في بطن أمه، يتضح ذلك من ثنايا نص المادة (41) من الفصل الثاني (في العقوبات الأصلية) من قانون الجزاء العماني، إذ تقول:)يؤجل تنفيذ الإعدام بالحامل إلى أن تضع حملها. فإذا وضعت جنينها حيا تبدل حكما من عقوبة الإعدام إلى عقوبة السجن المؤبد، وذلك بمرسوم سلطاني خاص)، حيث أُجّل تنفيذ العقوبة على المرأة الحامل حتى تضع ما بأحشائها من نفس، وتعدت الرعاية من القانون بتخفيف عقوبتها من الإعدام إلى السجن المؤبد بمرسوم سلطاني خاص إن وضعت جنينها حيا. مما سبق استطراده بالذكر في أهمية حق سلامة الإنسان الجسمية والذهنية يتضح بأن التعرض للناس أو إيذاءهم محذور في التشريع العماني الذي استمد هذا الحق وقرره من خلال نصوص الشريعة الإسلامية. وإلى لقاء آخر يجمعنا في حلقة جديدة من حقوق الإنسان، أستودعكم الله في الحل والترحال...