شهدت المنطقة والعالَم مؤخرًا كوارث طبيعيَّة مُتعدِّدة أبرزها الزلزال الذي ضرب المغرب مؤخرًا، والفيضانات المُدمِّرة في ليبيا، بالإضافة إلى الزلزال المُدمِّر الذي ضرب سوريا وتركيا، وجميعها كوارث تتشابه في حجم الخسائر البَشَريَّة والاقتصاديَّة. ويزيد من حجم المعاناة التي يعيشها سكَّان المناطق المنكوبة تدنِّي الجهود الإغاثيَّة وعدم الاستجابة الدوليَّة لنداءات الاستغاثة؛ نتيجة تكالب الكوارث الطبيعيَّة والناتج عن الحروب الأهليَّة. فالأزمات تتزايد في العديد من مناطق العالَم، خصوصًا في إقليم الشرق المتوسط، حيث يواجه الإقليم العديد من الأزمات الكبرى على الصعيد الإنسانيِّ. فبجانب الكوارث الطبيعيَّة، يرزح الملايين من سكَّان اليمن والسودان وسوريا تحت وطأة اللجوء، خصوصًا وأنَّنا مقبلون على فصل الشتاء الذي تزداد معاناة اللاجئين والنازحين فيه. إنَّ التباطؤ العالَميَّ في الجهود الإغاثيَّة، خصوصًا من الدوَل الكبرى التي تُعدُّ أحَدَ أهمِّ المُسبِّبين لتلك الكوارث، حيث تؤكِّد الأبحاث العلميَّة أنَّ زيادة معدَّل الكوارث الطبيعيَّة تُعزى لتغيُّر المناخ الذي يعمل على زيادة حدوث هذه الكوارث. ونتيجة لتزايد عدد سكَّان المناطق الحضريَّة باستمرار خلال السنوات الخمسين الأخيرة، تتفاقم تداعيات تلك الكوارث، خصوصًا في البلدان النَّامية المحاصرة بَيْنَ الديون التي كبَّلت مقدراتها التنمويَّة، وبَيْنَ شبَح الكوارث الطبيعيَّة التي تتزايد في الأوان الأخير، ونتج عَنْها خسائر اقتصاديَّة واجتماعيَّة كبرى، ستُشكِّل عبئًا كبيرًا على الدوَل التي شهدت تلك الكوارث، والدوَل المجاورة لها، نتيجة حالة النزوح الجماعيِّ التي تشهدها تلك المناطق.
ولا رَيْبَ أنَّ الأخطار التي يشهدها العالَم تحتاج تعاطيًا أكثر إيجابيَّة من المُجتمع الدوليِّ، فإعصار «دانيال الذي ضرب ليبيا وحده يحتاج لأكثر من (71) مليون دولار من أجْلِ تأمين مساعدة فوريَّة لنَحْوِ (250) ألف شخص من المتضرِّرين، فما بال الاحتياجات الإغاثيَّة الدَّائمة. أمَّا على الصَّعيد المغربي فقَدْ أشارت التقديرات الأوَّليَّة عن الأضرار النَّاجمة عن زلزال الحوز إلى أنَّها قَدْ تكلِّف المغرب حوالي (9) مليارات يورو، أي ما يعادل (8%) من ناتجه المحلِّيِّ الإجماليِّ المُسجَّل في عام 2022، في حين تشير التقديرات الأوَّليَّة لحجم التكلفة الماليَّة بشأن إعادة الإعمار، التي على المغرب أنْ يتحمَّلَها لمواجهة الخسائر النَّاجمة عن الزلزال، إلى (60) مليار درهم، تتوزَّع بَيْنَ تكلفة علاج المصابِين، وإعادة إعمار المناطق التي تهدَّمت بها البنايات السكنيَّة والعموميَّة وتضرَّرت فيها البنية التحتيَّة، وهي أرقام كبيرة سوف تعيق الجهود التنمويَّة لسنوات مقبلة.
ورغم أنَّ الإغاثة الدوليَّة تُعدُّ أحَدَ المقاصد الرئيسة التي نصَّ عَلَيْها الميثاق الأُمميُّ، وكان أوَّل عمل للأُمم المُتَّحدة في هذا المقصد في أوروبا التي دمَّرتها الحرب العالَميَّة الثانية، وساعدت المنظَّمة في تعميرها بعد ذلك، إلَّا أنَّ المِنح الغربيَّة في الجهود الإغاثية لا تواكب ما يشهده العالَم من أزمات تحتاج الكثير من الأموال لمواجهتها، بل إنَّ العديد من الدوَل تربط تلك المساعدات الإنسانيَّة ـ للأسف ـ بوقف نزوح اللاجئين نَحْوَ أراضيها، وهذا ما أكَّدته العديد من منظَّمات الإغاثة الدوليَّة التي تعمل على تنسيق عمليَّات الإغاثة الإنسانيَّة في العديد من مناطق الكوارث حَوْلَ العالَم.
إذًا هذه الكوارث والأزمات بحاجة إلى صحوة ضمير عالَميٍّ للحدِّ مِنْها، والتخفيف من وطأتها، وخصوصًا من قِبل العابثين بمستقبل البَشَريَّة ومصيرها، والمُتسبِّبين في تلوُّث البيئة وتغيُّر المناخ والاحتباس الحراريِّ، فيا ترى متى سيرى العالَم هذه الصحوة؟