الأربعاء 29 نوفمبر 2023 م - ١٥ جمادى الأولى١٤٤٥ هـ
الرئيسية / آراء / أسعار البصل .. والتغيرات المناخية والسياسية
أسعار البصل .. والتغيرات المناخية والسياسية

أسعار البصل .. والتغيرات المناخية والسياسية

طالما كان البصل رمزًا للبساطة ورقَّة الحال، والذَّاكرة الشَّعبيَّة المصريَّة تحتوي على قدرٍ هائلٍ من الأمثال التي تُدلِّل على ذلك من عيِّنة: «نصوم.. نصوم.. ونفطر على بصلة» و»بصلة المُحب خروف»..إلخ، ولكن فجأة أصبح للبصل وزن، وتدلّل على المائدة المصريَّة، واختفى من عربات الأكل المنتشرة في شوارع القاهرة، وتحوَّل إلى سلعة ترفيهيَّة، رغم أنَّ مصر وصلت في السنوات الأخيرة للاكتفاء الذَّاتي من محصول البصل، وحقِّقت فائضًا مليون طن يتَّجه معظمه للتصدير. ولكن يبدو أنَّ شهيَّة كبار التجَّار والمصدِّرين المسيطرين على الأسواق متعطشة لاقتناء الدولار، ولَمْ تَعُدْ ترغب في العملة المحلِّيَّة، فراحت تشتري البصل من الفلَّاحين بأيِّ ثَمن، وتقوم بتصديره، مستغلَّةً تعطُّش الأسواق العالَميَّة للبصل المصري، لجودته وأسعاره المناسبة، خصوصًا بعد قرار حكومة الهند أكبر مُصدِّر للبصل في العالَم بفرض ضريبة قدرها 40% على تصدير البصل.
فالبصل من السِّلع التي تتدخل في حَسْم نتائج الانتخابات في الهند، لذلك سارع رئيس الوزراء ناريندرا مودي بفرض رسوم على تصديره، في مسعاه لكبح جماح التضخُّم قَبل الانتخابات العامَّة التي تشهدها الهند مطلع العام القادم، وأكَّد مودي أنَّ الضريبة ستسري بأثَرٍ فوري وتستمرُّ حتَّى نهاية العام، وسط آمال أن يؤدِّيَ هذا القرار لانخفاض أسعار البصل وتوافره محلِّيًّا.
ويُستخدم البصل على نطاق واسع في الأكلات الهنديَّة شأنه شأن التوابل، وبلغت أهمِّيته أنَّه كان سببًا في إسقاط حكومات سابقة، وهو المأزق الذي يحاول مودي تجنُّبه، رغم إنجازاته الهائلة على المستوى السِّياسي والتي تجلَّت مؤخرًا في قمَّة العشرين، والقفزات الواسعة التي حقَّقها الاقتصاد الهندي، ونجاح الهند في عهده في الوصول للقمر.
وقَدْ أدَّت التغيُّرات المناخيَّة إلى هطول أمطار غزيرة؛ تحوَّلت إلى سيول وفيضانات أضرَّت بمحصول البصل الصَّيف الماضي في كُلٍّ من الهند وباكستان المنتِجَيْنِ الرئيسَيْنِ للبصل على مستوى العالَم، الأمْرُ الذي أدَّى إلى زيادة أسعار البصل في الأسواق الهنديَّة قرابة 20%.
والهند دَولة المليار و400 مليون نسمة دَولة ديمقراطيَّة، وأكثر ما تخشاه الحكومات غضب الرأي العامِّ، ودعوات التظاهر وخروج النَّاس إلى الشارع، لذلك سارعت حكومة مودي لاحتواء التضخُّم وكبح زيادة الأسعار، وفرضت حظرًا على صادرات القمح في 2022، وقلَّصت صادرات الأرز الشَّهْرَ الماضي.
في مصر رغم وجود وزارة للتموين وعديد الجهات الرقابيَّة، عجزت الحكومة عن السيطرة على الأسعار، وتوحَّشت نظريَّة اقتصاد السُّوق وسياسة العَرْض والطَّلب وحُريَّة التجارة، واستغلَّ بعض التجَّار والدخلاء الفرصة، لتخزين السِّلع وتعطيش الأسواق، ثمَّ طرحها بأسعار مضاعفة، كما اتَّجه كثير من أصحاب رؤوس الأموال مؤخرًا لِسحْبِ أموالهم من البنوك، خشية تآكل قِيمتها جرَّاء موجات التعويم المتتالية وخفض قِيمة العملة المحلِّيَّة أمام الدولار، واتَّجهوا للمضاربة في السِّلع الاستهلاكيَّة؛ بديلًا عن المضاربة في المعادن الثمينة، حدَثَ ذلك في سلعتَي الأرز والسجائر، فرغم تحقيق مصر إنتاجًا يفوق الاستهلاك المحلِّي ويسمح بالتصدير ـ وفقًا للأرقام والإحصائيَّات الحكوميَّة ـ اختفت السجائر من الأسواق وتضاعفت أسعار الأرز، وجنى المضاربون في السِّلعتَيْنِ أرباحًا تفوق أرباح تجارة المخدرات، في بلد يعيش فيه 110 ملايين نسمة ما بَيْنَ مواطن ووافد، يحتاجون إلى كميَّات هائلة من السِّلع والخدمات، وسُوق ضخمة تحتاج إلى قدرٍ من التنظيم والرقابة لتحقيقِ الانضباط في الأسعار.

محمد عبد الصادق
Mohamed-abdelsadek64@hotmail.com
كاتب صحفي مصري

إلى الأعلى
Copy link
Powered by Social Snap