يحتفي الكاتب محمد بن سيف الرحبي بحارته "الشويرة" في روايته الرابعة التي حملت ذات العنوان، وهو يقدم "حكاية متخيلة من قرية حقيقية" كما يشير إلى ذلك في الغلاف الأخيرة حيث "الشخوص تتنوع بين المتخيل والحقيقي، فيمتزجان في بعضهما حتى تذوب الحكاية في مفارقات المكان. هي قصصهم وهم يسيرون حفاة على درب شائك، يدفعون أحلامهم إلى واقعهم لكن هناك ثمة ما يعذبهم، ينحت روحهم، رغم أن الجسد امتد به العمر، لولا خاتمة تبدو كمتخيل، رغم أنها واقعية إلى حد مذهل".
يجازف الراوي بالاقتراب من المجتمع حينما يضع حارته الحقيقية على محك البناء الفني لروايته حيث تبدو الشويرة كبطل حقيقي وسط أحداث القرية، قريته سرور التي ولد فيها وعاش مختزنا الكثير من حكاياتها، ليمزج الواقعي بالمتخيل عبر البيت "العود" وشخصيته الأسطورية سلامة بنت يحيى، مع محاولة أسطرة الواقع المعاش أيضا من خلال السارد الذي يعيش الحاضر ليكون الذات أو الضمير المواجه لبطل الرواية، الحفيد.
من أجواء الرواية نقرأ في الصحفة الأولى: "حسبت أن قلبك أدمن الطعن، لكن نزفك ينجرف إلى عمقك، يغرق دواخلك، وأنت سادر بين غيبوبة وغياب، عين على الأمس، عين على اليوم، لا تجد أخرى على المتبقي من زمن طال بك، زمنك أيها المجروح، طائل أكثر مما يتحتم عيشه، وفائض فوق قدرة قريتك سرور لتغتابه، من أقصاها إلى أقصاها، الرجل الذي نسيه الموت، مع أنك لم تنس ما غرسته في فؤادك من طعن، ومع ذلك لا تستطيع سوى العيش فيها.
تتساقط عليك أشعة الشمس في يوم جديد ترتاده في سرور القديمة، وتلك الشويرة فاتحة ذراعيها بالوصيد، هناك، حيث لا تروم اختيالا في دروبها إلا محني الجسد، هزيل الروح، والبيت العود، تكاد تسمع صوته يبكي، البكاء يتكوّم في صدرك كتلال الشويرة، وصولا إلى جبلها الشرقي، ييقظها بعد كل فجر من غفوة لياليها، يلقي عليها شمسه، مع أنك تتذكر بأن العيون لم تكن تنام، وأن الفجر كان يبتسم على الوجوه المتعبة وهي ترتقي سفوح الجبال باحثة عن لقمة لمواشي تترقب حفنات ورق السمر تلقى إليها بأشواك كلما باغتت حامل الوقر على رأسه".
يذكر أن "الشويرة" هي الرواية الرابعة للقاص محمد الرحبي بعد رواياته الثلاث "رحلة أبو زيد العماني" و"الخشت" و"السيد مر من هنا"، إضافة إلى خمس مجموعات قصصية تقترب أجواؤها من المكان وشخصياته.