[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
” منذ عقود لم أتعب من القول بأن كل قانون هو كائن اجتماعي حي يتعدل ويتطور ويتحور حسب التحولات الطبيعية التي تطرأ على المجتمع ومن الواجب تعديله أو تطويره أو تحويره إنما نحن الوحيدون الذين تتسابق نخبتنا إلى كسب أصوات النساء (في الواقع صنف واحد من النساء) برفع شعار (مجلة الأحوال الشخصية خط أحمر)”
ــــــــــــــــــــــــــ

أتفهم سوء الفهم لدى بعض القراء الكرام عندما يصابون بحساسية إيديولوجية وليست موضوعية وهم يقرأون مقالاتي أو مجرد عناوينها حول الأسرة التونسية وما تعانيه من معضلات متراكمة فعوض أن يناقشوا الأصل ويردوا على ملاحظاتي يسرعون إلى مهاجمة شخصي ونعتي بالوهابي أو الرجعي وهو ما لم يعد ينال مني بعد أن جمعت من شتائم صحافة العار في سنوات الجمر ما يملأ شاحنة بأقلام الجريدي وغيره من محدودي البصيرة وأسيادهم الذين كانوا يغذون صحفهم بالمقالات الفاضحة والماسة بالأعراض. فليكف من يسبني ليبدأ بالرد علي بالحجة إذا كانت لديه حجة وانا لا أدعي احتكار الحقيقة فلعل من يجادلني بالتي هي أحسن يقنعني فأتراجع عن مواقفي وأشكره على تصحيح مفاهيمي. إنني أدعو إلى حوار هادئ حول قوانين الأحوال الشخصية بكل وعي فأنا بدأت مسيرتي بالدفاع عن دولة الحداثة ضمن الحزب الدستوري ولكنني لم أركب موجة تأليه الزعيم بورقيبة ولا المتاجرة بمكاسبه لأغراض إنتخابية بل طالبت بالديمقراطية الغائبة وهو في عز سلطانه وعملت إلى جانب صديقي محمد مزالي من أجل الاعتراف بأحزاب معارضة وإقرار الوفاق مع الإسلاميين واجتناب القمع واعادة الإعتبار للغتنا العربية وضحيت من أجل ذلك فمستقبلي ورائي وليست لدي مطامع لا في شهرة ولا في مناصب ثم أنا أدعو إلى تشكيل هيئة من علماء القانون والاجتماع لتدرس مواطن النقص وإصلاح ما تجاوزه الزمن في قوانين الأسرة بكل المعطيات العلمية وبشعور وطني يحس بمشكلات الأسرة التونسية بعد ستين سنة.
منذ عقود لم أتعب من القول بأن كل قانون هو كائن إجتماعي حي يتعدل ويتطور ويتحور حسب التحولات الطبيعية التي تطرأ على المجتمع ومن الواجب تعديله أو تطويره أو تحويره إنما نحن الوحيدون الذين تتسابق نخبتنا إلى كسب أصوات النساء (في الواقع صنف واحد من النساء) برفع شعار (مجلة الأحوال الشخصية خط أحمر) بما فيهم النهضة التي أمسكت ببعض خيوط السلطة ففرطت في ثوابتها وقالت مع القائلين (إنها خط أحمر) و ما زلت يوميا اكتشف النقائص التي انفرد بها مجتمعنا والتي فرضها هذا القانون الموقع بخاتم أخر ملوك تونس محمد الأمين باشا باي سنة 1956 و أخر هذه النقائص ما قرأه الناس على صفحات جريدة (الصباح) التونسية ليوم 22 فبراير 2015 حيث جاء في الجريدة عنوان هو (رجل تزوج بنت أخته) و نقرأ في الخبر: (تمكنت الشرطة العدلية بالسيجومي في جويلية (يوليو) 2014 من القاء القبض على زوجين يسكنان مسكنا في حضيرة بناء وبالتحقيق معهما تبين أن الزوج هو خال الزوجة ! و بالأمس أصدر حاكم التحقيق بمحكمة تونس الثانية قرارا يقضي بحفظ جميع التهم في حق المشتبه بهما (أي الزوج الخال و الزوجة بنت الأخت) و ذلك لعدم وجود جريمة معتبرا بأن ما جاء به قانون عدد 3 لسنة 1957 المؤرخ في غرة أوت (أغسطس) 1957 و مجلة الأحوال الشخصية لم يحرما صراحة زواج المحارم !!!!! و اكتفت تنصيصا على بطلان الزواج منتهيا (أي حاكم التحقيق) إلى عدم وجود الركن الشرعي للجريمة وهو ما أقرته دائرة الإتهام بتاريخ 17 جوان (يونية) 2015). إنتهى الخبر كما سردته جريدة (الصباح). هذه النقيصة التي اكتشفها القضاء في هذا القانون الذي صدر في عصر الأجداد ليتحكم في عصر الأحفاد و غفل المشرع المتسرع أنذاك عن تحريم الحرام و اكتفى بتحريم الحلال أما النقيصة الثانية فجاءت على قناة (المتوسط) التونسية هذه الأيام في حديث متميز شديد الوعي مع الدكتور أحمد الأبيض الطبيب و أشهر المختصين في الطب النفسي والعائلي (و الرجل ليس لا وهابيا و لا رجعيا بل عالم مستقل!) قال الرجل معلقا على خبر بلوغ تونس الرقم القياسي عربيا وعالميا في نسبة الطلاق (العهدة على مقدمة البرنامج في الرقم القياسي وهو الأرجح لأننا كدنا نبلغ معدل طلاقين على ثلاث زيجات و المفارقة العجيبة أننا الوحيدون الذين لدينا مجلة قانونية تحمي المرأة !!! و مع ذلك ضربنا الرقم القياسي في الطلاق أي في إيذاء المرأة وتشريد الأطفال !) علق الدكتور قائلا بمرارة : أسباب ارتفاع نسبة الطلاق في بلادنا عديدة منها الأسباب التي نشترك فيها مع المجتمعات الأخرى و منها ما ننفرد به دون الناس أي انهيار الوازع الأخلاقي وإلغاء المبدإ القرأني وهو (الميثاق الغليظ) بين الزوجين فعوضاه بالاعتماد على القانون و تنافس الزوجان في التحايل عليه فأصبحت الأسرة ترتكز على قانون الصراعية (العبارة للد.أحمد الأبيض) و أنا سميتها حربا أهلية عائلية في أسرتين على ثلاثة حين عوضت فصول القانون ما كان يسود الأسرة المسلمة من مودة ورحمة و تكامل.أما النقيصة الثالثة فشاهدتها مع جمهور قناة تونس الثانية يوم 3 مارس 2015 حين قامت بتحقيق في قسم رعاية الأم و الطفل في مستشفى مدينة سوسة حيث قال الطبيب مدير للمركز للصحفي :" لدينا مشكلة عسيرة ففي المركز اليوم 175 رضيعا من بينهم 73 مولودا خارج الزواج القانوني و أشار إلى رضيع تحمله القابلة في أحضانها قائلا: " هذا الرضيع مثلا وهو ملاك برئ لا يطالب به أحد و لا يعترف بأبوته أحد و تصوروا مأساة هذا الطفل إذا كبر و هو لا يعرف له أبوين ؟وهذا المؤشر يؤكد الرقم القياسي غير المشرف الذي بلغناه وهو أعلى معدل في الأمهات العازبات عربيا. أما النقيصة الرابعة فقد أطلقها وزير الصحة د.محمد صالح بن عمار كصيحة فزع حين قال منذ أيام أن لجوء المرأة التونسية للإجهاض بدون أسباب شرعية أو صحية أصبح ظاهرة خطيرة على سلامة مجتمعنا و أكد الوزير أن 30% من نسائنا يحهضن لأن عملية الإجهاض متاحة بنص القانون لكل إمرأة حتى و لو جاءت غير المتزوجة لتجهض ! و في ذلك طبعا قتل للنفس بغير حق و تدمير لقوامة الأب ووازع الأخلاق و الفضيلة.ونأتي للنقيصة التي حملها لنا العدد المتزايد من الأطفال التونسيين المنتحرين (18 طفلا انتحروا سنة 2014 منهم 14 فتاة في سن التعليم الإبتدائي وهي كارثة غير مسبوقة) و حسب الدكتور سهيل الأبيض على إذاعة بي بي سي (الثلاثاء 10 مارس الجاري) فإن 60% من الشباب الذكور يتناولون الحشيش و 40% من البنات في تونس وهو إن صح كارثة وطنية وبالطبع اعتنت المنظمات التربوية بالخطر الداهم و حصرت الأسباب في البطالة وفشل التربية ولكن السبب الأول في نظري هو تفكك الرابط الأسري و تقلص سلطة الأب بسبب ما تدعو إليه بعض النساء المسترجلات النشيطات من منح كل الحقوق للمرأة وحرمان الزوج من قوامة الأبوة و هو تاج العائلة و حاميها والراعي الأكبر لعياله. أضف إلى هذه النقائص ما بلغته بلادي من رقم قياسي في تزويد الحركات المتطرفة بالمقاتلين و بالفضائح التي نشاهدها أسبوعيا في البرامج التلفزيونية ! هذه قطرة من بحر المسكوت عنه لدواعي سياسوية و إيديولوجية فعسى نطرح أصل الداء على عقول كفاءاتنا العلمية والقانونية دون هروب للنفق المسدود و للنفاق المعهود.