وفي السنة الخامسة للأزمة السورية اتي شغلتنا وما زالت، ستظل تشغلنا، ومنذ قيامها أطلقوا عليها تسميات كاذبة، مرة هي ثورة، ومرة من أجل الإصلاح، لكنها لم تكن منذ اندلاعها تجمل الثورية أو الإصلاح، بقدر ما كانت عملية تخريب وهدم وقتل بالجملة وتصفية وطن بأكمله.
ولكم حذرنا من الانغماس بالشأن السوري واستغلال قضاياه الداخلية، لكن المؤامرة كانت اكبر بكثير، وثبت منذ الوهلة الاولى ان اللاعبين تجاوزوا تلك القضايا لأن اهدافهم القريبة والبعيدة كانت وحدة سوريا شعبا وأرضا ومؤسسات وجيشا ونظاما، فلقد أصر اللاعبون وخصوصا أولئك الإقليميين العرب وغير العرب على استغلال الأزمة، وعملوا تهديما بالوطن السوري، وبذروا نفوذهم فكان جيوشا من الإرهابيين فكانوا الممول لهم والداعم وسخروا كل قوتهم من اجل القضاء على هذا البلد الذي يتمتع بأعلى الكفاءات العلمية، في وقت كان يعمل على تحقيق رغد العيش لشعبه، الهدف الذي تصبو اليه كل الشعوب المؤمنة بوطنها.
استولد هؤلاء إذن جيشا من الإرهابيين اطلقوا عليهم تسميات مختلفة من " جيش حر " الى " نصرة " الى شتى الأسماء التي يتعلق كل منها بتنظيم، ورغم كثرة عدد التنيظمات إلا أن المشغل كان واحدا، وكذلك الداعم والراعي وصولا إلى رأس الإرهاب الذي ولدوه أيضا من رحمهم وهو " داعش ". لكن هذه التنظيمات التي عمدت إلى تصفية بعضها وإلى التقاتل فيما بينها، لم تصبح مصدر خطر على سوريا وحدها بل تعدت ذلك إلى رعاتهم، وإذا بهذا الخطر يمتد على طول الوطن العربي، وها هو اليوم ما وصل إليه من تهديد للأمة بكاملها، فهو يضرب في تونس، وفي اليمن، وفي سوريا وفي العراق وفي لبنان وفي مصر وما زال باب الأقطار الأخرى مفتوحا أمامهم.
ومن أسف القول، إنه رغم ما وصلت إليه الأمور وما استفحلت، بل بعد كل هذه المخاطر التي تهدد الجميع دون استثناء وتحمل في طياتها صورة مظلمة للمنطقة بأسرها، فلا يبدو أن الممولين للإرهاب والداعمين له والممسكين به في كل صغيرة وكبيرة، أنهم لايريدون مراجعة لمواقفهم وأفعالهم واندفاعاتهم في تلك الطرق البربرية، رغم اتساع النار على مدى الأمة، حتى احتراق جلبابهم أيضا.
إنها لصورة مأساوية إذا ما نظرنا إليها وهي تدخل سنتها الخامسة بتلك القوة، بل إنها الآن في ذروة نشاطها الإرهابي، حتى يمكن القول كما هو المثل الشعبي ان من فرق الجن بات لا يمكنه جمعه، بل إن تلك التنظيمات وخاصة الكبرى منها باتت أقوى من ممولها، صحيح أن رأسها المدبر يمكنه وضع حد لها بتوقيف التمويل عنها، لكن على ما يبدو فإن تلك التنظيمات باتت أيضا تملك العديد من الإمكانيات الذاتية والمصادر الخاصة التي تتيح لها الاستمرار دون الاعتماد على أي كان.
ولهذا نطلق التحذير ونجدده قبل فوات الأوان نهائيا، أن المنطقة كلها قابلة للاشتعال، وأنها قد تحترق إذا ماتم استكمال اللعبة بهذه الطريقة، وخصوصا تلك الدول الممولة والداعمة، فيما أن إسرائيل والولايات المتحدة والغرب بعيدون عنها، رغم أن الجميع معرض للاحتراق كما جرى في بلدان أوروبية عدة فلا يظنن أحداً أنه ناج من هذا الوباء وإن ظن فانه سيدفع ثمن تورطه ثم غفلته.