[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
لم تكن إعادة تخصيب تنظيم القاعدة الإرهابي لإنتاج مشتقاته الإرهابية التي تملأ أرجاء المنطقة إلا هدفًا استراتيجيًّا للقوى الامبريالية الاستعمارية الغربية المتحالفة مع الصهيونية العالمية، حيث أخذت مفردات هذه الحقيقة تثبت صحتها من خلال العديد من الصيغ والألوان والأشكال الإرهابية الطاغية على المشهد بأكمله في عموم المنطقة.
ومن الواضح أن هذا الهدف الاستراتيجي بتأبط الإرهاب وتفريخ جماعاته بات هو الخيار الأمثل ـ حسب التصور الامبريالي الاستعماري الغربي ـ للعودة إلى المنطقة والاستيلاء على ثرواتها وتقاسمها بين المستعمِرين القدامى والجدد عبر اتفاقية "سايكس ـ بيكو" ثانية، وذلك في ظل ما تكبده المستعمرون من خسائر باهظة بشرية ومادية جراء غزوهم العسكري المباشر، وبحكم الولاء المطلق لهذه الجماعات الإرهابية المنتجَة نحو أسيادها المنتجِين من المستعمِرين الامبرياليين الغربيين، وقدرتها على صناعة الحجج والمبررات التي تحتاج من أسيادها إلى عمل وجهد شاقين من أجل ابتداعها بالصورة المطلوبة من خلال الاحتكاك مع الأنظمة والجيوش في الدول الموضوعة على قائمة الاستهداف، وبالتالي فإن هذه الجماعات الإرهابية ليست بحاجة إلا إلى ما يمكنها من الاستمرار، وهو تذخير أجساد إرهابييها بالدعم اللوجستي اللازم من المال والسلاح والعتاد والدبلوماسية، وشحن العقول والأمخاخ المفرغة بأفكار سوداوية وبكراهيات ونعرات طائفية ومذهبية وبأحقاد وفتن، وأوهام "الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان"، وهي أفكار وأوهام غدت بمثابة وقود لتحريك هذه الأجساد الملغمة بالإرهاب وبالأفكار الشاذة والتطرف والغلو، ما مكَّن منتجيها من تحويلها إلى آلات يتحكمون فيها عن بُعْد وبالريموت كنترول.
ووفق هذا القدر المتيقن، من يتابع تصريحات المنتجين من المستعمِرين القدامى والجدد وأدوارهم ومواقفهم المعادية والمعبرة عن حقد دفين وأجندات ومشاريع استعمارية يراد لها أن تمتد لمئات السنين، يقف على حقيقة هدفهم الاستراتيجي وخيارهم المفضل لديهم للمباشرة في صنع تاريخ جديد للمنطقة لا مكان لمفهوم الدولة المتعارف عليه في أبجدياتهم وفي صميم هدفهم ومشروعهم، وإنما يجب أن تكون مفرغة من كل شيء من النظام أو الحكومة ومن كل مصادر ثباتها وتماسكها المتمثلة في مؤسساتها العسكرية والأمنية، ومن مكونات نسيجها الاجتماعي الذي لا بد من إحداث شروخ عميقة فيه عبر زعزعة الثقة بينه وبين حكومته ومؤسساتها، وعبر زرع الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية.
نعم، إن ما يحدث اليوم هو عمليات إفراغ الدول العربية المستهدفة بالمشروع الصهيو ـ غربي، من قبل المستعمِرين الامبرياليين الغربيين وبالتعاون مع عملائهم ووكلائهم في المنطقة، وملء هذا الفراغ بالجماعات الإرهابية التي استولدوها من منتَجهم الأول ألا وهو تنظيم القاعدة الإرهابي، فـ"داعش والنصرة والجيش الحر والجبهة الإسلامية وأحرار الشام والمثنى وغيرها" هي المنتَج المفضل أو النسخة الجديدة للقاعدة والتي يعول عليها المنتجِون والعملاء في ملء فراغ الدولة بالإرهاب والتشريد والقتل والعنف والتدمير وتحويل الدولة أثرًا بعد عين. ولذلك لم ولن يتوقف دعمها من قبل المنتِجين والمموِّلين حتى يتحقق هذا البُعد في الهدف الاستراتيجي الذي سيترتب عليه نجاح المشروع الصهيو ـ غربي في تنصيب كيان الاحتلال الصهيوني شرطيًّا على المنطقة وقد دانت رقابها صباح مساء له.
وهناك أدلة كثيرة على استمرار هذا الدعم، وعدم سماح المستعمِرين بالتعاون مع عملائهم ووكلائهم بموت منتجاتهم الإرهابية، ومن بين هذه الأدلة:
أولًا: تأجيج النعرات الطائفية والمذهبية وإشعال المزيد من فتائل الكراهية والأحقاد في العراق على خلفية التحرك الحكومي والشعبي لتطهير المحافظات والمدن والقرى العراقية من دنس المنتج الإرهابي الصهيو ـ غربي، وذلك ببث الدعاية عن أن هذا التحرك هو إنما إبادة طائفة لشقيقتها، فضلًا عن قيام الطائرات التابعة لما يسمى التحالف الدولي لمواجهة "داعش" بإلقاء أطنان الأسلحة والمواد الغذائية والدوائية لإرهابيي التنظيم، وكذلك تصوير وجود الجنرال الإيراني قاسم سليماني وما يقدمه من استشارات عسكرية بطلب من الحكومة العراقية بأنه احتلال إيراني للعراق، فإذا كان وجود جنرال إيراني يعني احتلالًا إيرانيًّا للعراق، فماذا يمكن أن يسمى وجود حوالي ستة آلاف وستمئة جندي أميركي وبريطاني وفرنسي وألماني وأسترالي وكندي و...و...إلخ؟
ثانيًا: محاولة المستعمِرين وبالتعاون مع عملائهم ووكلائهم لتلميع الوجه الإرهابي القبيح لما يسمى "جبهة النصرة"، واعتبارها لقيطًا وليست من نسل تنظيم القاعدة، وذلك لتقديمها على أنها المعارضة السورية "المعتدلة" في خرق واضح وفاضح لقراري مجلس الأمن الدولي (2170 و2178) الداعين إلى تجفيف منابع الإرهاب ومنع تدفق الإرهابيين عبر الحدود إلى سوريا واعتبار "داعش والنصرة" تنظيمين إرهابيين، فضلًا عن أنه كيف يتأتى عقلًا أن تكون جبهة إرهابية عناصرها من مختلف أصقاع العالم معارضة سورية و"معتدلة"؟
ثالثًا: محاولة الولايات المتحدة نفي مسؤولية "داعش" عن الهجمات الإرهابية التي تبناها التنظيم في اليمن والتي أوقعت الجمعة الماضية مئات الضحايا بين قتيل وجريح. ويبدو أن ما تعنيه هذه المحاولة هو أن إعلان التنظيم عن وجوده وانتشاره في اليمن الآن هو أمر متسرع، فالانتشار الواسع للتنظيم واختيار منطقة تمركزه لم يكتمل ظروفهما بعد، ولذلك تحاول واشنطن إخفاء التنظيم والدفاع عنه كما هو الحال في العراق وسوريا حتى لا تكون هناك خطط من قبل قوى يمنية لإجهاض مخطط انتشاره في اليمن، مع أن "داعش" نفسه أعلن أنه أصبح في اليمن وليبيا والجزائر ومصر والعراق وسوريا. وطبعًا هذا لن يكون لولا الرعاية الصهيو ـ غربية اللازمة نظرًا للدور المناط بهذه التنظيمات الإرهابية المستولدة من رحم تنظيم القاعدة في نشر دوامة الإرهاب القتل والعنف والخراب والدمار وتدمير الدول العربية المستهدفة وصناعة المبررات لبقاء الاستعمار الصهيو ـ غربي وبناء قواعده في المنطقة، نيابة عن ما عجزت جيوشه عن تحقيقه.