مِثلما أصبحت الفلوجة رمزا للمقاومة العراقيَّة، فإنَّ غزَّة هي الأخرى تحوَّلت إلى عنوان للصمود وثبات الموقف الفلسطيني، وثنائيَّة الفلوجة وغزَّة عَبْرَ مسار المواجهات مع الاحتلالَيْنِ الأميركي والإسرائيلي تحوَّلتَا إلى حائطٍ للصدِّ وإفشال المشروع الاستعماري الَّذي استهدف حاضر ومستقبل الأُمَّة. إنَّ معركة «طوفان الأقصى» تُعدُّ نقلةً نَوْعيَّة في شكلها ونتائجها وآثارها، ليس على فلسطين فحسب، وإنّما على المنطقة بِرُمَّتها. هذه المعركة غير المسبوقة كان الهدف الأساسي مِنْها هو رسالة للعالَم أنَّ فلسطين حُرَّة وحيَّة وأبيَّة وأن شَعبها مهما طال الظلم فإنَّها استطاعت هدم منظومة الأمن الإسرائيليَّة الَّتي لَمْ تشهدْ مثيلًا لها منذ احتلال فلسطين وحتَّى الآن. إنَّ ارتدادات معركة طوفان الأقصى ستترك بصمة على مسار الصراع العربي ـ الإسرائيلي لصالح شَعب فلسطين الَّذي تحوَّلت قضيَّته إلى قضيَّة إنسانيَّة ولاجئين يفرض الاحتلال الصهيوني مخطَّطات التهويد وحصار التجويع الَّذي يستهدف إرادة المقاومة الَّتي انتصرت بفرضها واقعًا جديدًا في مسار الصراع. نعم، إنَّها معركة غير مسبوقة، فهي المرَّة الأولى الَّتي يبادر فيها الفلسطينيون إلى مباغتة «إسرائيل» من دُونِ مقدِّمات بهذا الاجتياح في تاريخ «إسرائيل» منذ اغتصابها فلسطين وحتَّى الآن. وفي الأحوال كافَّة فإنَّ معركة «طوفان الأقصى» تُعدُّ نقلةً نَوْعيَّة وعلامة فارقة في شكلها ونتائجها وآثارها ليس على فلسطين فقط، وإنَّما على الإقليم بكامله تزامن مع، الفشل الاستخباري الذريع الَّذي مُنِيت به «إسرائيل» في توقيت العمليَّة، ناهيك عن أبعادها، الَّتي أسقط أسطورة الردع الإسرائيليَّة.
والمقاربة بَيْنَ الفلوجة وغزَّة هي لتوضيح الصورة وأبعادها عَبْرَ دَوْرهما في مقارعة الاحتلال، فالفلوجة الَّتي قاومت الاحتلال الأميركي وانتصرت عَلَيْه في معركتها الأولى في نيسان/ أبريل العام 2004 كانت بداية ومقدِّمة للحراك المقاوم بعد احتلال العراق عام 2003. ومثل موقف أهل غزَّة الَّذين يرفضون مغادرة أرضهم متمسكين بحقِّهم التاريخي، بقي أهل الفلوجة صامدين يأبون الخروج مِنْها، رغم التهديد والقتل والاعتقال، وعانت المدينة من هدم بالمباني ودمار البنية التحتيَّة لَمْ تقفْ قوَّات الاحتلال الأميركي عِند هذا الحدِّ، بل ارتكبت في حقِّ أبنائها جرائم بَشِعة وشنيعة؛ سجون أبي غريب وغيرها شاهد على ذلك. إنَّ معركة الفلوجة كانت عنوانًا لرفض الاحتلال؛ لأنَّه عدوٌّ للعراقيِّين ومصدر رفضهم لوجوده في بلادهم وما سبَّبه من مآسٍ وكوارث ما زال يعاني مِنْها العراقيون.
لقَدْ سجَّلت المقاومة العراقيَّة ضدَّ الاحتلال الأميركي قصب السبق؛ كونها أسرع مقاومة في التاريخ عِندما انطلقت في اليوم الثاني لغزو واحتلال العراق في العاشر من نيسان 2003 بمقتل أوَّل جندي بجنوب بغداد وتواصلت صعودًا بعد تلك المعركة.
إنَّ الدَّعم الأميركي غير المحدود للكيان الصهيوني لَمْ يوقفْ جذوة المقاومة الفلسطينيَّة ورفضها للمشروع الصهيوني الَّذي يستهدف ابتلاع فلسطين على حساب الحقوق المشروعة في إقامة دَولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف.
وطبقًا للراشح على الأرض ومسار معركة «طوفان الأقصى» سيكُونُ لها دَوْر كبير في تغيير موازين القوى والرَّدع الَّتي كانت على الدوام تكُونُ لصالح الكيان الصهيوني.
وعِندما نربط بَيْنَ مسار الفعل المقاوم في الحالتَيْنِ الفلسطينيَّة والعراقيَّة وما بَيْنَهما فإنَّنا نقف أمام تجربتين لا يضاهيهما أحَد بنتائجها تحكي قصَّة شَعب فلسطين لَمْ تكسرْ إرادته أساطيل وأسلحة الدعم الأميركيَّة، وبقيَ صامدًا في غزَّة يقاوم ببسالة الشجعان، كما قاومت الفلوجة نَفْسَ العدوِّ وأسلحته، وعبَّرت عن إرادة العراقيِّين الَّتي لَمْ تنحنِ أمام المشروع الأميركي الصهيوني الَّذي يستهدف فلسطين والعراق وأقطار الأُمَّة العربيَّة جمعاء.



أحمد صبري
كاتب عراقي
[email protected]