كان صباح يوم الأحد المنصرم جميلا مبهجا بصحبة الطالبات الموهوبات بمدرسة المروج بمدينة صلاله. فبينهن فنانات في الفن التشكيلي وبعضهن كاتبات، وأخريات مكتشفات، ومنهن متفوقات في التحصيل الدراسي، وبينهن مصورات فوتوغرافيات. كان حديثي إليهن عن "كيف تتحدثين إلى عقلك؟" كنت قلقا في مستهل محاضرتي، كيف يمكنني أن أجعل محاضرتي سهلة ومباشرة لمثل تلك المرحلة العمرية، فاستعنت بالقصص المسلية وبعض الأساطير. وكانت دهشتي كبيرة، عندما أتحت الفرصة للطالبات الموهوبات لكي يتحدثن عن مواهبهن ثم عرض أفكارهن وأحلامهن. فقد كان مستوى مداخلاتهن ونوع أسئلتهن يفوق توقعاتي بكثير، ورأيت في أسئلتهن ومداخلاتهن مستوى متقدما جدا من التفكير وآفاق غير محدودة من استشراف المستقبل. من بين تلك الأسئلة سألتني طالبة في الصف الخامس من الحلقة الثانية عن دور الإبداع في نهضة الأمم والمجتمعات؟! سؤال يحتاج إلى مؤتمر علمي! وعندما سألتني طالبة أخرى عن أهم عوامل تحقيق التفوق الشخصي، سردت مجموعة من العوامل والمعينات التي تسهم في صناعة التفوق الفردي، فإذا بطالبة تطلب مداخلة وتستأذنني لتضيف بأن الرغبة هي دينامو كل عمل إبداعي خلاق. فسألتها وهي طالبة تدرس في الصف الثامن كيف أدركت ذلك؟ أجابتني بأنها تقرأ كثيرا في التنمية البشرية وتمتلك شغفا في تطوير الذات، بل وأضافت بأنها تعيد قراءة أهدافها المكتوبة عدة مرات في اليوم، وقد قررت بثقة الدراسة في جامعة السلطان قابوس، وسوف تتخصص في علوم الصيدلة. ثم طلبت منها أن تتحدث إلى زميلاتها فقدمت محاضرة مركزة جدا في غضون دقائق معدودة عن رائد التنمية البشرية في الوطن العربي المرحوم الدكتور إبراهيم الفقي، وأسهبت في الحديث عن مشوار كفاحه، وكيف ثابر واجتهد حتى حقق حلمه بأن يكون مدير عام سلسلة فنادق خمس نجوم.
وعندما حكيت لهن قصة حول تعلق الناس قديما بتمائم الحظ واقتناء الأحجار الكريمة التي تجلب الحظ، ثم سألتهن: لماذا تجذب هذه الأحجار الحظ السعيد لمن يمتلكونها؟ كانت إجابة إحدى طالبات الصف الثامن ذكية جدا وغير متوقعة بالنسبة لي، حيث أجابت بأن حظ الناس في مثل تلك الحالات، يمكن أن يعزى إلى اعتقادهم وتفاؤلهم بتأثير تلك الأحجار!
وبعد ذلك قمت باختبار قدرة حدس الطالبات، بأن قدمت لهن لعبة فرز الألوان اعتمادا على الحس الداخلي بعد حجب أبصارهن بعصابة سميكة، واستطاعت طالبة من بين المتسابقات النجاح في تجربتين من ثلاث تجارب لفرز الألوان اعتمادا على الحدس الداخلي فحسب. وطبعا بررت قدرتها على تحقيق ذلك بأنها دربت نفسها على التركيز وتنقية العقل من شوائب التشتت. وددت لو يحضر تلك المحاضرة بعض أصحاب القرار من وزارة التربية ليروا ما يسرهم من مواهب وقدرات هؤلاء المجيدات اللاتي يفكرن ويناقشن بهذا المستوى المتقدم. سافر عقلي عبر أنفاق الزمن وتخيلت كم في وطننا العزيز من الموهوبين والموهوبات في مختلف المراحل، وكيف يطويهم النسيان والروتين أحيانا وتخبو طاقاتهم في خضم انشغال المؤسسات المختصة وغياب استراتيجية تربية الموهوبين والمجيدين.

د. أحمد بن علي المعشني
رئيس مركز النجاح للتنمية البشرية