بهلا (العمانية):
عندما تذكر المواقع التاريخية والأثرية العمانية فلابد أن تذكر "سلوت" التي تقع بولاية بهلا بمحافظة الداخلية باعتبارها واحدة من أهم المواقع وأكثرها حضوراً في السياق التاريخي العربي.
وأكدت المصادر التاريخية على أهمية سلّوت في شبه الجزيرة التي ربطتها بالفترات التاريخية المبكرة حيث تظهر أهميتها من خلال مرحلتين زمنيتين مثيرتين للاهتمام فحصن (سلّوت) رمز لصلابة البناء والبقاء.
وتقع هضبة (سلّوت) بالقرب من قرية بسياء في وادي بهلا بمحافظة الداخلية وهو موقع غني بالمواقع الأثرية التي ترجع إلى بدايات العصر البرونزي إذ تم مسحه بواسطة عدد من البعثات العلمية المختلفة منذ سبعينات القرن الماضي، كما نفذ فيها فريق من جامعة برمنجهام مشروعا مسحياً مهما فيه.
ويختلف موقع (سلّوت) اليوم عما كان عليه قبل بداية أعمال التنقيب في عام 2004م فقد اتضحت بجلاء ملامحه الأثرية والجمالية فمنذ بدء المشروع تم تنفيذ أعمال الترميم للجدران الحجرية (مثل البرج الخارجي للمدينة) بالتزامن مع أعمال التنقيب.
وتؤرخ هضبة (سلوت) ثلاث مراحل للاستيطان أولها مرحلة الاستيطان في العصر البرونزي ويرجع تاريخه إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد ومن ثم تبعته مرحلتان من البناء (امتدتا تقريبا طوال فترة العصر الحديدي) من النصف الثاني للألفية الثانية قبل الميلاد وحتى منتصف الألفية الأولى قبل الميلاد وأخيرا مرحلة الاستيطان من العصور الوسطى (الإسلامية) وامتدت من القرن الثاني عشر الميلادي وحتى بضعة أجيال مضت.
وخلال العصر البرونزي المبكر (النصف الأول من الألفية الثالثة قبل الميلاد) كان موقع سلّوت مرتبطا بأبراج ضخمة تم بناؤها في السهل، وقد كشفت بعثة جامعة (هارفارد) عن هذه الأبراج.
وتم الكشف عن مدفن دائري مبني من الحجارة ( قطره حوالي 12 مترا) من العصر البرونزي المبكر (النصف الأول من الألفية الثالثة قبل الميلاد) كما تم العثور على بقايا آدمية مرتبطة بهذا المدفن بالإضافة إلى عدد من البقايا الأثرية المهمة أغلبها مواد لطقوس جنائزية كانت هذه البقايا متناثرة بالقرب من المدفن من ضمنها هذه البقايا رأس صولجان حجري ودبوس برونزي وعدد من الخرز الحجرية والصدفية من مختلف الأحجام.
وتشير نتائج اختبارات الكربون المشع إلى أن العصر الحديدي في سلّوت بدأ في القرن الرابع عشر قبل الميلاد واستمر حتى القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد.
وكان الجدار الخارجي جزءاً مهماً من الموقع وهو يعود الى المرحلة الأولى من البناء وبالإضافة إلى وظيفته الدفاعية فإنه يعمل على تدعيم المباني الموجودة في الأعلى.
وتوجد مرحلتان مميزتان للبناء من العصر الحديدي أقدمهما في بعض المباني بقمة الهضبة كما أن أحد هذه المباني يرتبط بأجزاء من الجدار الخارجي خصوصاً البرج الذي يطل من الجانب الجنوبي الشرقي للموقع.
ووجدت آثار واضحة للاحتراق على واجهات الجدران والطبقات الغنية بالمواد المحترقة كالفحم والرماد وبعض المواد المحترقة الأخرى مما يدل على نهاية كارثية دمرت جزءا كبيراً من المرحلة الأولى من الاستيطان للموقع كما أن العثور على عدد كبير من رؤوس السهام يدل على أن سبب الحريق الذي أصاب الموقع قد يكون نتيجة أحداث عسكرية.
وتعتبر الإزالة التامة للمباني من المرحلة الأولى تحولاً مهماً في المرحلة الثانية من البناء تميزت بتغيير جذري في المخطط العام للموقع حيث تم تأسيس نظام مذهل من المنصات والمدرجات وامتدت في مختلف أنحاء الجزء العلوي من الموقع.
ويعد الموقع من الناحية المعمارية فريداً من نوعه بالمقارنة مع المواقع الأثرية الأخرى التي تم التنقيب عنها حيث لا توجد أية أدلة على وجود مستوطنة بنظام يمكن مقارنته بموقع سلّوت.
وعند النظر في مدى الضرر الذي لحق بالموقع القديم من سلّوت نتيجة عوامل التعرية من الرياح والأمطار بالإضافة إلى تأثير مستوطنات العصور الوسطى (الإسلامية) على الموقع فلابد أن موقع سلّوت كان مثيرا للإعجاب في ذروة ازدهاره.
وقد ساهمت الفخاريات التي تم العثور عليها في سلّوت في استئناف النقاش الطويل حول التعاقب الزمني لمستوطنات العصر الحديدي والصلة بينها وبين الفترات الزمنية المعاصرة لها في إيران وقد يكون هذا التزامن الذي حددته مجموعات الفخاريات الإيرانية منذ فترة بحاجة إلى إعادة نظر بناء على التواريخ التي استخلصت من موقع سلّوت فعلى سبيل المثال تم العثور على بعض الأباريق ذات الفوهة البارزة في إيران يعود تاريخها إلى ما بعد العام 1100 قبل الميلاد ولكن نفس الأباريق وجدت في موقع سلّوت ويعود تاريخها إلى بداية تأسيس الموقع أي قبل ذلك التاريخ.
كما تم العثور على العديد من القطع البرونزية المهمة كالمغرفتين والمرجل البرونزي
والأدوات المستخدمة في الحرب (الخنجر البرونزي ورأس الحربة وبعض رؤوس السهام) ومجسمات الأفاعي الكاملة.
ومن أحدث المواد الأثرية التي تم استخراجها الختم الذي يشير إلى وجود نظام إداري قديم في (سلّوت) والقطع الحجرية الكاملة وجزء من مبخرة لحرق اللبان كما تم اكتشاف العديد من المحاصيل التي انتشرت قديما في سلّوت. يذكر أن مكتب مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية أشرف على عمليات التنقيب في الموقع وما زال مكتب المستشار مهتما بتطوير الموقع.