[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
لا تستقيم المقاييس في البيئة البشرية الحاضنة للنشاطات الاقتصادية التنموية والخدمية ما لم تكن هناك أوزان جديرة بالتأثير في سلوك المستفيدين الأساسيين من هذه النشاطات، وأعني بذلك الأغلبية العظمى من المواطنين، إذ بقدر التعاطي المنضبط مع نشاطات من هذا النوع وتبني أطر من الحرص عليها ضمن علاقة قائمة على الشراكة من أجل إنجاحها...أقول بقدر هذا التعاطي تظل فرصة النجاح واستمرارية المشروع على درجة من الوثوقية والاطمئنان.
إن ما نعانيه في العراق وفي بلدان عربية أخرى وربما في بلدان نامية يكمن في التعاطي السلبي القائم على البحث المضني عن المكاسب الفردية والقياس عليها والوقوع في انتظارات ساخنة لصالح الفوائد التي تنتظرها، وبتشخيص أوضح، لنا أن نسأل كيف يمكن أن نعمل في مساعدة الهيئات والمؤسسات المسؤولة عن تلك النشاطات الاقتصادية والخدمية العامة من أجل المساهمة في ترسيخ نتائج عملها الإيجابي، لنأخذ حالة أقرب للإجابة على هذا السؤال ونفترض أن الماء الصافي انقطع عن منازلنا لسبب من الأسباب التي نجهلها، فإن رد الفعل المباشر على الحالة الطارئة تلك، هو أن نصب جام غضبنا على الجهة المسؤولة عن هذه الخدمة البلدية، وأنها لم تراعِ حقوقنا في الحصول على الماء المنزلي، ولكن بالمقابل ما هو رد فعلنا لربة منزل وهي تفتح صنبور الماء على راحتها من دون أن يستيقظ ضميرها الاقتصادي في أن ما تفعله يمثل هدرًا واضحًا لمياه تصرف عليها أموال طائلة، وبالتالي فإن كلفة هذا الهدر باهظة جدًّا، وأن الجهة الحكومية الخدمية التي تتولى إيصال الماء إلى منازلها قد لا يمكن لعملها أن يدوم ويأخذ سياقه الصحيح في ظل هذا الهدر، أي أن عملها يحتاج إلى هامش معاونة يتولاها المستهلك فحسب، وقس على ذلك بشأن الخدمات الأخرى.
لا أكتمكم أننا في العراق نعاني ما يمكن أن نصطلح عليه غياب الضمير التشاركي بالمسؤولية الأخلاقية في رعاية النشاطات الاقتصادية والخدمية التي نستفيد منها. إننا بارعون حقًّا في البحث عن منظومة حصصية تستمد حضورها من التأثير الشخصي والعائلي والمناطقي والطائفي والعرقي، وهناك حالات بيع وشراء متكررة على هذا الطريق وكذلك في المواقف السياسية والأمنية.
لم يعلن صاحب وظيفة سياسية في العراق من داخل الحكومة أو مجلس النواب أو في هيئات حقوقية على غرار ما فعله ذلك الموظف السياسي الصيني الذي قدم طلبًا إلى رئيسه يتضمن دعوة الحكومة الصينية إلى الامتناع عن إفساده هو وعائلته ودخل في مساءلة طويلة لإثبات ذلك، راجيًا تخفيض دخله الشهري لكي يستعيد توازنه الاستهلاكي وتكون لديه مقاومة ما ضد الشراهة، أو ما فعله وزير مصري سابق عندما ألغى مخصصات كانت تصرف له تحت باب مكافآت مقابل الاجتماعات التي تعقدها الحكومة معلقًا بطرافة (إن أوقات الاجتماع لا تستقطع من ساعات نومي وراحتي لكي أستحق عليها أتعابًا مالية).
لقد كرم البريطانيون الزعيم الهندي الراحل غاندي بإقامة تمثال له في عاصمتهم لندن على الرغم من عدائه السلمي المشهور لهم مما أدى إلى إخراجهم من بلاده مهزومين، فهل لنا في العراق من يكرم بلدنا على أيدي أصحاب الوظائف السياسية العامة والكف عن الغناء الأجوف القائم على النفاق فحسب.
هل لنا بنماذج سياسية تقول، إن ما تستحقه من رواتب ومكافآت وهبات هي ضمن سقف هذا المبلغ أو ذاك، وإن من الواجب إرجاع المتبقي إلى خزينة الدولة؟ هل لنا بسياسيين عراقيين يعلنون على رؤوس الأشهاد أنهم مع تعظيم الخزينة الحكومية من خلال إعادة النظر بالرواتب والهبات وما يقبضون تحت الطاولات؟ أعتقد أننا سنقيم تمثالًا كبيرًا لهذا السياسي أو الموظف لو أنه يفعلها حقًّا ويقول إن كفايتي من المال ينبغي أن لا تتجاوز السقف الفلاني، وعندها نجد عينة عراقية ميدانية للشعار المغيب (القناعة كنز لا يفنى).