‏[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/abdellatifmhna.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عبداللطيف مهنا كاتب فلسطيني [/author]
الإدارة الأميركية في هذه الأيام غاضبة إلى حد ما على حليفها نتنياهو. هذه الغضبة النادرة الحدوث، والعابرة كسحابة صيف، ليست لتنصُّله قبيل انتخابات الكنيست الصهيوني من ما يدعى "حل الدولتين". وليست لأنها لا تصدِّقه عندما عاد ليعلن التزامه الزائف به بعيد فوزه فيها، لأنها كانت تدرك ما يدركه كل الكون ولم يك يضيرها، أن نتنياهو لم ولن يكون يوما مع هذا الحل. خبرت كم وضع عصي اشتراطاته التعجيزية في دواليب "وساطتها" غير النزيهة والمنحازة والمتواطئة معه معرقلًا محاولات توصلُّها لهذا المزعوم الذي لم تك يوما في وارد الحؤول دون نتنياهو وجعله مستحيلًا.
والإدارة الأميركية ليست بالغاضبة على نتنياهو لتصريحاته العنصرية ضد فلسطينيي المحتل من فلسطين العام 1948، والتي أحرجت صهاينة الولايات المتحدة يهودًا وغيرهم، ولا استفزتها محايلته للتعبير عن أسفه، وليس اعتذاره، لمن أحرجهم وليس للفلسطينيين، باستقباله لثلة منتقاة من فلسطينييه المنتفعين أو الواقعين أصلًا على هوامش الليكود والأحزاب الصهيونية. لأنه لم يك يومًا يخفى عليها المفضوح لكل العالم، وهو أن عنصرية نتنياهو ما هي إلا تعبير عن غيض من فيض عنصرية متأصلة وسمت بالضرورة مجتمع استعماري دخيل ومفتعل وقائم أساسًا، كما قامت الولايات المتحدة تمامًا، على نفي الآخر والحلول محله. وعليه، تعلم كسواها أنه لم يهبط إلى سدة القرار في الكيان الصهيوني وللمرة الرابعة من المريخ، وإنما لأنه نتاج طبيعي له. وهنا لا يفوتها أن تحديه لإدارة أوباما من على منبر الكونجرس الأميركي كان له الباع الطويل المسهم في زيادة حصيلة ما جناه من أصوات ضمنت له فوزًا ربما لم تتوقعه.
والإدارة الأميركية ليست غاضبة عمومًا لتجسس الموساد عليها، لأنه هذا ما كان يحدث دائمًا وما كانت تصفح عنه عادة... ما زال الجاسوس جونثان بولارد في السجن، وما زال العالم يذكر ما جرى للمدمرة ليبرتي... إذن ما السر في هذه الغضبة الأميركية الراهنة؟!
لأن الحليفة المتجسسة على حليفها في هذه المرة، أي على المفاوضات الدائرة بينها وبين الإيرانيين حول الملف النووي الإيراني بالذات، لم تكتنز ما عرفته من معلومات لنفسها، وإنما شاركت فيها الأعضاء الموالين لها والمعارضين للإدارة الأوبامية في الكونجرس بغية تحريضهم على إفشال أو إعاقة ما قد تتوصل إليه من اتفاق تسعى إليه مع الإيرانيين. الأمر الذي تعده هذه الإدارة مسًّا مباشرًا بما تراه مصلحة أميركية، أو تجاوزًا لخط أحمر، إن لم يصعب عليها التسامح لاحقًا حياله، فهي على الأقل لا تستطيع أن تتقبُّله الآن بسهولة. وعليه، كانت التسريبات الأميركية حول مسألة وجوب "إعادة تقييم سياساتها" على ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة في الكيان الصهيوني، وسببًا لأن يتذكَّر رئيس الولايات المتحدة فجأة أن هناك "أراضي فلسطينية محتلة منذ خمسين عامًا"، وإن خانته الذاكرة فلم يتذكَّر أنه قبل هذه المحتلة هناك 78% من مساحة فلسطين التاريخية قد احتلت أيضًا ومضى على احتلالها 66عامًا.
ما سرِّب أو صرَّح به حول الغضبة الأميركية وما حملته حتى الآن زوبعتها، لا يعد وما قلناه بدايةً من أنه مجرَّد سحابة صيف تمر على وطيد علاقة عضوية راسخة بين حليفين أكبرهما يرى في صغيرهما صورة عنه، يعززه تقاطع مصالح وتخادم ذو منحى استراتيجي وثيق، لخصه نتنياهو بطريقته المتعالية: "أميركا لا تملك حليفًا أكبر من إسرائيل، وإسرائيل لا تملك حليفًا أكبر من الولايات المتحدة". وحيث إن على الأصغر المدلل معرفة حدوده التي ليس عليه أن يتجاوزها، فلا بد من فركة أُذنه، ولهذا كانت التسريبات والتصريحات الأميركية الغاضبة لا أكثر... أوباما المتميز غيظًا شدد على "الشراكة العميقة والدائمة" مع الكيان الصهيوني، وعدَّ ما كان من نتنياهو ويا للعار "مخالفًا للتقليد اليهودي العريق"! مبررًا إصرار واشنطن على "حل الدولتين" بأنه "السبيل الوحيد لتحقيق أمن إسرائيل على المدى البعيد، إذا كانت تريد البقاء دولة يهودية"، بمعنى أنه أكثر حرصًا على "إسرائيله" من نتنياهو... والآن، أما وهذا هو سر الغضبة الأميركية وهذه هي حدودها، فما هو موقف العرب والفلسطينيين من هذه الزوبعة التي ثارت في ساحة "الشراكة العميقة والدائمة"؟!
كالعادة، لا نعدم في ديارنا من راهن على مؤقت الغضبة الأميركية مستقبلًا طارئ موجتها العابرة ببناء قصور من رمال أوهامه التسووية، يتقدمهم هؤلاء فلسطينيو "أوسلوستان" مجيدو فن البقاء الأوسلوي في كنف الاحتلال بمواصلة التزامهم السياحة في أوهام الحلول التصفوية تحت جناح العم سام، وهنا استوقفني تصريحان طريفان، واحدهما لنبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية، والآخر لجبريل الرجوب، عضو اللجنة المركزية لفتح السلطة. العربي لم ير فيما كان من نتنياهو ضربا من "دعاية انتخابية" لا يجب البناء عليه، أما الرجوب فخالف العربي جازمًا: إنه "لا يمكن تعاملنا مع إسرائيل من الآن فصاعدًا إلا كعدو"، وزاد فأضاف: و"التنسيق الأمني والاتفاقات الاقتصادية، أصبحت في مزابل التاريخ"... الأول، نحَّى الهم جانبًا واستراح، والثاني، قرر أنه من الآن فصاعدًا سوف يعتبر الصهاينة عدوًّا وسوف يلقي بعلاقاته القائمة معهم في مزابل التاريخ... لكن مع وقف التنفيذ... لماذا؟!
لأنه ما دام التحرير عندهم ليس هدفًا، والمقاومة عبثًا، والانتفاضة فوضى، والمفاوضات خيارًا، فإن إيقاف التنسيق الأمني مع المحتل سيكون عندهم انتحارًا، واللجوء لمحكمة الجنايات الدولية مغامرةً، وفك الحصار عن غزة المقاومة سيعني انتصارا لخيارها على خيارهم... وعليه، هل تبقَّى لديهم سوى المراهنة على الغضبة الأميركية العابرة؟!