[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
إذا لم يكن الإعلام المطلق المحايد "على نحو مطلق" حال ممكنة، فإن "ملهاته" المضحكة تنبعث من محكات الأحداث الكبيرة أو المصيرية. وإذا كانت هذه القاعدة قابلة للتحقق حتى عند أهم وأكبر شبكات الإعلام العالمية، فإنها سرعان ما تتخذ شكلًا مضحكًا في العالم العربي وفي أدواته الإعلامية الباثة من داخله أو من خارجه.
بواعث التندر كثيرة، إلا أن أهمها ينطلق من مفارقة إماطة وسائل الإعلام، العربية خاصة، عن وجهها المنحاز على محكات الأحداث المهمة والتشكيلية التي تستأهل تدخل الممولين والمديرين التابعين لهم في سبيل توجيه سياسة تلك الوسائل، الأمر الذي ينعكس على إدارات الأخبار ووسائل التحليل الإعلامي، بل وحتى على طبيعة الشخصيات المدعوة لإبداء آرائها.
هذا هو ما حدث في مناسبات لا تعد ولا تحصى، بينما لم يكلف مديرو الوسائل الإعلامية العربية أنفسهم عناء ما عكسوه من تقلب وتجاهل المعايير الإعلام المحايد، باعتبار افتراضهم المؤسف وغير الدقيق بأن المستهلكين للمادة الإعلامية عبر العالم العربي لا ذاكرة لديهم، أو بافتراض أن هذا الجمهور العريض قابل للـ"استغفال". وهذه استهانة بهذا الجمهور الذي راحت عدم ثقته بوسائل الإعلام العربي الأوفر تمويلًا، والأكثر شيوعًا تبعًا لذلك، تتناهى حد تعمده اللوذ بوسائل الإعلام الغربية التي تبدو له أكثر مصداقية والتزامًا بالحيادية، برغم كون الحيادية المطلقة أسطورة غير قابلة للهضم. بل إن هذا الجمهور العربي أخذ يرجع إلى الـ(CNN) أو الـ(BBC) حتى عند حاجته لمتابعة نبوءات الأنواء الجوية الدقيقة، باعتبار تناغم تقلب نبوءات الأنواء الجوية في العالم العربي مع تقلب حظوظه الطقسية والمناخية، ناهيك عن حظوظه السياسية والاقتصادية.
والحق، فإن للمرء أن يدعي أن عيوب الإعلام العربي غدت محرجة لمديريها على نحو خاص، بسبب أن التاريخ المعاصر لهذا العالم لم يزد عن سلسلة حروب واحتكاكات، لفظية وعسكرية، وخصومات بينية كشفت على نحو مؤسف عن عورة الإعلاميين الذين اضطروا للرقص على خشبة المسرح الإعلامي حسب تغيرات الإيقاع والألحان التي يتطلبها الموقف السياسي للممولين. وإذا كان تاريخنا الحديث بأكمله من النوع الذي يكشف نواقص الإعلام وتقلبات و"حيتانه" المتعددين والمتزايدين يومًا بعد آخر، فإن هذا الإعلام سيبقى مدعاة للتندر الجماعي الذي لا يأبه بالسلطة والذي نتابعه عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي كشفت عن عيوب إعلامنا على نحو محرج له ومعيب لمديريه. لذا فإنه يحق لهؤلاء المديرين الذين صار بعضهم أضحوكة للجمهور إقامة الدعوى القضائية ضد الممولين الذين جعلوا منهم "جوكرات" يحسدهم المرحوم "إسماعيل يس" على ما حصدوه من ضحك وتندر، مع احترامنا للملتزمين من الإعلاميين.