ونحن نحتفل بعودة مؤسس نهضة عُمان الحديثة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ، تتجلى أمام أعيننا عظمة هذا الوطن ومنجزاته ومكتسباته، وتسمق أمام ناظرينا عطاءات النهضة المباركة، ما يدعونا جميعًا نحن العمانيين أن نضرع إلى المولى جلت قدرته بالدعاء والثناء والشكر والحمد لله على نعمه الوافرة التي لا تحصى وبأن وهبنا هذا الوطن الغالي، ووهبنا هذا القائد الحكيم المحب المخلص الذي وعد فأوفى، وقال وصدق وقرن قوله بالفعل. ومن موجبات الشكر لله والإخلاص لواهب النعم، وصون النعم وشكرها؛ وشكر نعمة الوطن بالحفاظ عليه وبذل الغالي والنفيس للدفاع عن حياضه ومكتسباته، ونبذ كل ما من شأنه أن يوغر الصدور ويثير الأحقاد والفتن، ووضع دسائس الأعداء والمتربصين تحت أحذيتنا، وإشاعة أجواء المحبة والتواد والتآلف والتلاحم والتكافل والتكاتف، وحب الخير للآخرين. وشكر نعمة هذا الوطن نسبة الفضل إلى أهله وإلى باني نهضة هذا الوطن العزيز والالتفاف حوله وتعظيم دوره وقدره، وتقدير جهده وعرقه الذي سكبه طوال أكثر من أربعة وأربعين عاما من أجل رقي عُمان وأبنائها والحفاظ عليها وعليهم، وإعادة الاعتبار إليها وإليهم.
وما يبعث في النفس الفخر والعزة والكبرياء ويريح الصدر أن نرى آيات الشكر لله تتجلى على أرض عُمان يترجمها أبناؤها ترجمة عملية واضحة في المسجد في البيت في المؤسسات في الشارع في المقاهي، في كل مكان، وعلى الرغم من هذه المشاهد المعبأة بالمشاعر الجياشة والمظاهر المعبأة بالدعاء والثناء، فإن المواظبة على هذا الشكر تدوم به النعم؛ نعم الوطن والاستقرار والأمن والأمان، والحياة الكريمة.. وللتأكيد على ذلك قيمة هذه النعم، من المفيد أن نسترجع ما كان عليه الحال قبل الثالث والعشرين من يوليو عام 1970م، وما أصبحنا عليه حاليًّا في مختلف مجالات وقطاعات النشاط الإنساني، لتنتعش ذاكرة الكبار، وتتعلم الأجيال الجديدة أن واقعها الحالي الجميل بدأ من رقم الصفر تقريبًا في كل المجالات، وأن هذا الواقع الذي تم بناؤه في فترة قياسية من عمر الزمن، وبفلسفة تحرص على البدء من حيث انتهى الآخرون، إنما هو نتاج قيادة حكيمة ملهمة حددت بدقة المسارات الصحيحة للتقدم والنماء منذ فجر النهضة المباركة، وتابعت كل الجهود المخلصة المتراكمة في مختلف القطاعات لتصحح بعض المسارات وتبلور الأهداف وتوجه النصح والإرشاد فظل البناء يعلو عامًا بعد عام، إلى أن أصبح صرحًا شامخًا من التقدم والرقي والتنمية الشاملة المستدامة، التي جعلت الإنسان العماني هدفها وأداتها في آن واحد.
لقد قامت النهضة العمانية المباركة على منهج التقارب بين الراعي والرعية إلى حد التوحد بحيث تكون النتيجة أن يصل الحاكم إلى حالة الأمان النفسي المنشود في أرقى صور الشعور بالأمان حيث وجود الحاكم هو ذاته وجود المحكوم بعد إلغاء المسافات الفاصلة، فنشأ عن ذلك أن الحاكم قد توحد ببلده وبشعبه، فصار الأمن الشخصي للحاكم هو ذاته الأمن العام للوطن بما عليه ومن عليه، وهذا ما أدى بالضبط إلى ولادة الولاء الذي تحظى به السلطنة، ولاء الحاكم لشعبه وولاء الشعب لحاكمه.
إنها الفلسفة السياسية التي تجسدت في أداء حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ والتي كان هو نفسه أفضل من يشخصها ويقنن قوانينها ويضع أطرها لتكون نبراسًا لكل من ينشد السلام النفسي والاجتماعي في وقت واحد وهي ثنائية تبدو عزيزة على الكثيرين ممن ينشدونها دون أن تكون لديهم آلية الوصول والوعي بدخائل التجربة ومكابدتها على المستوى الشخصي للحاكم. ولهذا مثلما ننتشي بمشاعر الفخر والإعجاب ونرفل في أثواب النعم، يجب علينا أن نديم الشكر لله ونترجمه ترجمة عملية صادقة. فبالشكر تدوم النعم.