[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
” .. أرى بأن صور التعبير الحضارية عن المناسبات الوطنية متعددة فإلى جانب المسيرات الشعبية وتنظيم الفعاليات المختلفة الثقافية والاجتماعية يمكن المساهمة بإنشاء مشاريع اجتماعية والتكفل بحفلات الزواج الجماعي والتبرع بالمال للفقراء ودعم المبادرات المجتمعية وهي قليل من كثير مما يمكن طرحه,”
ـــــــــــــــــــــــ
امتازت شخصية جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ بثلاث خصائص مهمة, مكنته من تبوء مكانته القيادية كما هي عليه في فرادتها وتكامل أسباب نجاحها وتصاعد ألقها وتواصل انجازاتها المحلية والإقليمية والعالمية عبر مراحل حياة جلالته الحافلة بالمنجزات, وأهلته لأن يحظى بحب شعبه وإجماعهم عليه قائدا وسلطانا وأبا ومرشدا وصمام أمان لعمان والعمانيين, ووضعته في مصاف القادة الكبار محل احترام وتقدير العالم, حكوماته ورؤسائه ودوله وشعوبه كما تؤكده الصور والممارسات والشهادات المعبرة عن ذلك عبر مشاهد ووسائل متعددة وكما سنبينه لاحقا, تتمثل الخصيصة الأولى في حكمة وحنكة القائد وبعد نظره وسياساته الحصيفة في تعامله مع مختلف الملفات السياسية القائمة على جملة من الثوابت والمبادئ من بينها, ترسيخ منهجية الحوار الموضوعي البناء والمتكافئ في معالجة الخلافات والنزاعات, احترام الآخر وعدم التدخل في شئون الدول, التوازن في بناء وتعزيز العلاقات مع مختلف الأطراف, وهو ما جعل من عمان قبلة الساسة ومصدر الرأي والاستشارة ومنطلقا للحوار البناء والمتوازن بين الأطراف والحكومات وبيئة صحية لتنقية الأجواء بين المختلفين وتوقيع اتفاقيات التفاهم وعلاج الخلافات, يستأنس بحكمة سلطانها وبعد نظره الجميع. الخصيصة الثانية: رؤيته الإنسانية المتدفقة نبلا وعاطفة وحبا وترفقا وحلما وعفوا شاملا, المحملة بهموم المواطن المتفهمة لاحتياجاته ومتطلباته وتطلعاته على ضوء واقعه المعيشي وظروف ومستجدات كل مرحلة, والتي تصاغ وتخرج إلى العلن في شكل مراسيم وقرارات وتوجيهات وأوامر سامية, ومشاريع تنموية متنوعة ومتعددة في أغراضها ومجالاتها وطاقاتها ومستوياتها وانتماءاتها القطاعية, وما وصل إليه المواطن من تطور ونماء وازدهار وما حصل عليه من حقوق كان بفضل هذه الرؤية الإنسانية السامية. الخصيصة الثالثة: الشخصية العمانية المثالية في اتزانها ووقارها وثقلها وانضباطها العام وذكائها المتقد وقراءتها الواعية واستشرافها للمستقبل على ضوء تلك القراءة ومسارات الأحداث ومخرجاتها, وضبط ايقاع كل كلمة أو خطوة أو عمل أو قرار أو سلوك مرتبط بملبس ومأكل ومشرب وهيئة وأسلوب في التعامل, بما يتفق مع تلك الخصائص الفذة, والتي تؤثر في الآخر وتأسره وتفرض عليه المهابة والاحترام, وهو ما نراه ماثلا في شخص جلالة السلطان ـ حفظه الله ورعاه ـ وفي علاقته بشعبه والعالم الخارجي, وهي مهارات وخصائص تميزت بها واكتسبتها الشخصية العمانية عبر مراحل من التربية الصارمة والتعليم المتدرج والخبرات المتنوعة والمسئوليات المتعددة, ومما لا شك فيه بأن المواقف السياسية المتزنة والمبنية على أسس وثوابت راسخة, والمنجز الحضاري والإنساني والتنموي الكبير, والقيم الأخلاقية العالية التي يؤمن ويتمسك بها العمانيون, والتي شكلت أساس نجاحهم ووضعت لهم أسسا وثوابت خاصة وجعلت منهم مضرب المثل إنما امتدت جذورها وأساساتها من ذلك التاريخ العريق والتربية المتميزة والمنجزات المتتابعة, وكان صاحب الجلالة سلطان البلاد المفدى حريص كل الحرص منذ أن تقلد مقاليد الحكم في البلاد على تمسك العمانيين بتقاليد آبائهم وحفاظهم على الخصوصية العمانية في السلوك العام والهيئة والملبس, وجاءت العديد من الأوامر السامية المتتابعة مؤكدة على ذلك, غايتها حماية الشخصية العمانية من الانصهار والذوبان والتقليد المسيئ, وهو ما حفظ للعمانيين مكانتهم المحترمة والمقدرة على مختلف الأصعدة والتي أصبحت مضرب الأمثلة عند الآخرين, هذا جانب ومن جانب آخر فإن تلك الفرادة في شخصية جلالته شكلت ثقافة عامة لمختلف مجالات العمل الحكومي وملمحا بارزا لسياسات الدولة الداخلية والخارجية وللجهود الكبيرة والمبادرات التي يقوم بها جلالته ـ حفظه الله ـ لرأب الصدع وتجنيب المنطقة مزيدا من الصراعات والحروب والنأي ببلاده عن السياسات والمنزلقات التي قد تدخلها في خلاف أو صراع مع الآخرين, تميزت بالحكمة والحنكة والهدوء وبعد النظر والعمل المحكم والالتزام بالقيم والمبادئ العامة للمجتمع بما يحفظ لشخصيته مقامها ومكانتها وخصوصيتها, في أجواء صحية تخلوا من الصخب والهيجان الإعلامي والتصريحات المثيرة والترويج والتسويق المبالغين فيهما, وتتجنب الاستفزازات أو الحساسيات أو الاثارة والفهم الملتبس والرسائل المغلوطة والخروج عن المألوف مما أشرنا إليه في صدر المقال. على ضوء ما استعرضه المقال من ملامح عامة لشخصية صاحب الجلالة ـ حفظه الله ورعاه ـ والتي كان لها الفضل فيما بلغته عمان من شأو ومكانة وما وصلت إليه من تطور وتقدم وما تحقق على أرضها من انجازات ومكتسبات ورفعة وازدهار يشهد له الجميع, وبالنظر إلى هذا الحب العارم والشعبية الواسعة والتفاف العمانيين حول شخص جلالته لا بد إذن من أن نتساءل عن الكيفية أو الأسلوب والطريقة التي ينبغي أن نعبر فيها عن هذا الحب والتقدير والولاء لجلالة السلطان ؟ وما هي الصورة التي نريد أن نبعثها إلى العالم الخارجي عن عمان وشعبها في لحظة تصل فيه هذه الصورة إلى كل مستخدم لتقنية الاتصال على وجه البسيطة ؟ ألا تفرض علينا المسئولية ونحن نمارس احتفالاتنا وتلزمنا قيم الوفاء والولاء والإخلاص لباني نهضة عمان الحديثة الاقتداء بجلالته والاستفادة من شخصيته الفذة وفقا لما عرضناه في صلب هذا المقال؟. أطرح تساؤلاتي وأمامي العديد من المشاهد والممارسات التي قام بها البعض في تعبيرهم الوطني بمناسبة شفاء جلالة السلطان ووصوله إلى أرض الوطن مكللا بثوب الصحة والعافية, التي تتناقض وتتعارض مع الثقافة التي استعرضناها بالتفصيل, والوطنية ليست حكرا على مواطن دون آخر ولا يمكن أن يدعيها البعض وينكرها أو يطلقها البعض لوصف طرف على حساب طرف إلا بحجة وأسباب ومبررات وعلى ضوء عناصر التقييم والمقاييس التي ذكرناها ... من تلكم الممارسات التي أراها من وجهة نظري المتواضعة لا تستقيم مع الطبيعة والمكانة والمبادئ التي عرف بها العماني. اطلاق الأعيرة النارية في الهواء الطلق وبالقرب من التجمعات السكنية والتي قد تعرض الآخرين للخطر وتدعوهم للاقتداء بهذا السلوك وتنشر ثقافة السلاح واستخدامه ولذلك مخاطره الكبيرة المعروفة هذا فضلا عن أن القانون يحرمه, نحر الإبل والأبقار والمواشي في الأماكن العامة والطرقات والشوارع والمدارس واسالة الدماء الغزيرة وتصويرها ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي, وهو تعبير غير حضاري من وجهة نظري والتضحية بهذه الأعداد الكبيرة وإن كانت مما أحل ذبحه لا تتناسب مع فرحتنا الغامرة بتعافي وعودة جلالته فحتى هي لها حق الفرح بذلك, نشر ثقافة الفوضى والازعاج والتسبب في الازدحام وتعطيل الناس عن أعمالهم والتسيب عن أداء الواجب الوظيفي بدعوى المشاركة في الاحتفاليات, التميع والتشبه بالآخرين وممارسة تصرفات وأعمال تسيء إلى ثقافة المجتمع وقيمه وأخلاقه الإسلامية, التطاول على الأنظمة والقوانين العامة, المبالغة والمباهاة والتزلف والتزيد في اظهار الاحتفائية وإرهاق الموازنات الحكومية باحتفالات موسعة وباهظة, ربط بعض الظواهر المناخية بالمناسبة, بث الإشاعات بهدف المنفعة والضغط والتكسب من وراء المناسبة أو لغايات أخرى ترتبط بزعزعة الاستقرار والأمن وبث الفتن .... الى غير ذلك من الممارسات التي تقدم المجتمع إلى الآخر بشكل غير حضاري وتؤثر سلبا على سمعته وتتعارض مع الصورة الجيدة التي عرف بها أمام العالم, وأرى بأن صور التعبير الحضارية عن المناسبات الوطنية متعددة فإلى جانب المسيرات الشعبية وتنظيم الفعاليات المختلفة الثقافية والاجتماعية يمكن المساهمة بإنشاء مشاريع اجتماعية والتكفل بحفلات الزواج الجماعي والتبرع بالمال للفقراء ودعم المبادرات المجتمعية وهي قليل من كثير مما يمكن طرحه, وأتمنى كذلك أن يتم التبرع لهذه الاحتفالات والمساهمة بتكلفتها من المواطنين أنفسهم وخاصة رجال الأعمال والأغنياء والمسئولين الكبار بدلا من موازنات المؤسسات. فمن حق كل عماني أن يعبر عن فرحه وسعاته وابتهاجه بهذه المناسبات الوطنية الكبيرة والغالية بالطريقة الي يراها والأسلوب الذي يناسبه ولكن بما ينسجم مع أعراف المجتمع وتقاليده, ويتفق مع الأنظمة والقوانين العامة, ويتناسب مع الذائقة العامة والخصوصية الثقافية وبما يرفع من مكانة وشأن العماني ويقدمه ملتزما مقتديا بشخص جلالته وفقا للصورة التي قدمناها.