[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
” الرئيس جون كيندي كان ضد امتلاك إسرائيل للسلاح النووي وعاتب باريس على تزويدها للدولة الصهيونية بما يؤهلها لامتلاكه، وهو موقف مختلف تماما عن موقف الإدارات الأميركية التي جاءت بعده و التي اعتبرت التفوق الإسرائيلي على العرب أولوية استراتيجية في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.”
ـــــــــــــــــــــــــ
مصطلح التحالف الأميركي الإيراني ليس من عندي ولكن من عنوان كبير على صحيفة الجارديان الأسبوع الماضي ثم ماذا حدث حتى نطق الوزير جون كيري بضرورة التفاوض مع بشار الأسد مباشرة بعد لقاء مدينة لوزان بينه وبين الوزير الإيراني محمد جواد ظريف ؟ هذا المنعرج وصفه زميلي عبد الباري عطوان بالخنجر في ظهر حلفاء واشنطن العرب الذين راهنوا مثل أوباما على إسقاط نظام الأسد! فهل فرضت طهران مصالحها فرضا وعولت على الجناح (البراجماتي) في السلطة الأميركية ضد الجناح (الأيديولوجي) على عكس ناتنياهو؟ وما هو الرمز الذي نقرأه في عملية تدمير قبر صدام حسين وتعويض صوره بصورة الفريق قاسم سليماني في قرية العوجة في ضاحية تكريت؟ ثم هل هناك إتفاق سري بين واشنطن وطهران؟ هل توصل الرئيس أوباما إلى درجة التحالف الخفي بين الولايات المتحدة وجمهورية إيران؟ هذه هي الأسئلة الحارقة التي تتردد على ألسن الدبلوماسيين والإعلاميين والخبراء وهي أسئلة مشروعة حين نرى التغيير الطارئ والسريع والعجيب على موقف واشنطن من إيران أي من الملفين الخطيرين المتعلقين بايران وهما: ملف النووي وملف التوسع العسكري الإيراني في منطقة الحروب الدائره رحاها في العراق وسوريا وليبيا ومنطقة الأزمات المتفاقمة في اليمن ولبنان ومصر. وحين تسمع جون كيري يشرح للإعلاميين موقف واشنطن من هذين الملفين .... ستخرج من مؤتمره الصحفي صفر اليدين وستعود بخفي حنين لأنك مثلي أنا لن تفهم شيئا وأنا أعترف لكيري بعبقرية نسميها في العالم الدبلوماسي بالتخفي الحربائي حين يصبح الكلام طلاسم القصد منه ألا يفهمه الناس! فالجنرال قاسم سليماني يقود الجيوش العربية ولقبته (الواشنطن بوست) بأقوى رجل في الشرق الأوسط وملف النووي الإيراني الذي كان مطروحا على مجلس الأمن تم سحبه بلطف واليوم يجب أن يعرف العرب بعض الحقائق حول خفايا الأسرار الأميركية تجاه التسلح النووي الإيراني والإسرائيلي حتى يدركوا خفايا مواقف اليوم لأن التاريخ الحديث يفسر أحداث الحاضر. أريد أن أكشف للقراء عن بعض الأسرار المتعلقة بالنووي في كل من ايران وإسرائيل، وهذه الأسرار ليست من عندي ولكني اكتشفها حين أراجع المذكرات الثمينة التي كتبها في الأزمنة الماضية صناع السياسة وأصحاب القرار في أعلى هرم الحكومات الغربية، حينما كانت شعوبنا اما ترزح تحت نير الاستعمار في ذلك العهد أو غارقة في معضلاتها الداخلية. وفي الحالتين لم يقرأ العرب تلك المذكرات وهي منشورة ومع الأسف قرأها أعداء العرب وعرفوا بفضلها كيف يخططون لمزيد قمعنا واخضاعنا واخراجنا من دائرة التاريخ! والحقائق التي أعرضها على القراء مكتوبة بقلم رئيس الحكومة الفرنسية الأسبق (موريس كوف دي مرفيل) تحت رئاسة الجنرال شارل ديجول وهو الذي كان أيضا وزير خارجية فرنسا من عام 1958 الى 1968 أي على مدى عشر سنوات كاملة كانت هي السنوات الحاسمة في تمكن إسرائيل من السلاح النووي بفضل مساعدة باريس. وهنا سوف أترجم للعربية خفايا أعتبرها جديدة تماما كتبها بوضوح من كان في قمة الدولة الفرنسية انذاك وعاشها بل وكان مهندسها الأول. يقول (كوف دي ميرفيل) في الصفحة 98 من مذكراته المنشورة بمؤسسة (بلون) للنشر بباريس:
"حين قابلت الرئيس الأميركي جون كيندي يوم 7 أكتوبر 1963 في البيت الأبيض، أجريت معه جولتين من المحادثات، عبر لي الرئيس عن مخاوفه الخطيرة من إسرائيل وامكانية حصولها على السلاح النووي، لأننا في باريس وحسب اتفاقية بيننا وبين إسرائيل وقعناها عام 1957 التزمنا بمساعدة تل أبيب على انشاء مفاعل ديمونة في صحراء النقب وتمكين الدولة العبرية من مخصبات اليورانيوم من نوع ماركول أي من انتاج البلوتونيوم " و يضيف رئيس حكومة فرنسا الأسبق قائلا :" منذ عام 1958 حاولنا أن نحد من طموحات إسرائيل واخضاع منشاتها النووية للمراقبة بحرص من الجنرال ديجول منذ توليه رئاسة الجمهورية عام 1958، و لكننا كنا مدركين بأن إسرائيل في مقدورها الحصول على اليورانيوم من جهات أخرى غير باريس."
هذا ما قاله كوف دي ميرفيل بالحرف، وهو يكشف حقائق لم نكن نعرفها من قبل وهي:
الرئيس جون كيندي كان ضد امتلاك إسرائيل للسلاح النووي وعاتب باريس على تزويدها للدولة الصهيونية بما يؤهلها لامتلاكه، وهو موقف مختلف تماما عن موقف الادارات الأميركية التي جاءت بعده و التي اعتبرت التفوق الإسرائيلي على العرب أولوية استراتيجية في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.
الرئيس كيندي عبر عن موقفه هذا قبل 45 يوما من اغتياله على يد / لي أوزوالد الذي كان متهما بعلاقات مع الأجهزة السرية الروسية والإسرائيلية.
(لي أوزوالد) قاتل كيندي أغتيل بعد ثلاثة أيام من ايقافه على يد / جاك روبي أحد غلاة اليهود الأميركان المتطرفين، وجاك روبي هو ذاته مات في السجن بمرض شبيه بمرض ياسر عرفات بعد ثلاثة شهور من ايقافه!
هذا فيما يتعلق بالنووي الإسرائيلي، أما النووي الايراني فيقول (توني بين) الوزير العمالي البريطاني للصناعة أنه عام 1977 في عهد شاه ايران عندما قابل وزير خارجية الولايات المتحدة (سايرس فانس) وجده يحث حكومة لندن على مساعدة طهران حتى تمتلك السلاح النووي لأن واشنطن تعتبر ايران في ذلك الزمن حارسة المصالح النفطية الغربية في المنطقة فهل طوت الإدارة الأميركية ملف العداء مع طهران وعادت من جديد تعتبر إيران ما بعد الشاهنشاه بوليس الشرق الأوسط ؟! صحيح أن الثوابت في السياسة الأميركية لا تتغير بتغيير الرئيس و لا بتجديد الكنغرس!
نلمس من خلال هاتين الشهادتين من أهلها أن الخيارات الاستراتيجية للدول العظمى يمكن أن تتحول من الضد للضد ومن الموقف الى نقيضه بحسب مصالحها دون أي اعتبارات عاطفية أو أخلاقية أو قانونية. فالمصالح حين اقتضت تفوق ايران كانت واشنطن مع تسليح طهران بالنووي ثم حين أصبحت إسرائيل هي حامية حمى المصالح الغربية تحول الخيار الأميركي والأوروبي من تسليح طهران إلى تجريد طهران من سلاحها وإلى عقيدة انفراد إسرائيل بالقوة النووية. وهل أصبحت إسرائيل عبءا ثقيلا على مصالح أميركا؟
هذا هو منطق العلاقات الدولية كما يفرضه علينا العالم اليوم وعلينا نحن العرب قراءة ردود فعل شعوب أميركا اللاتينية على هذا النظام العالمي الظالم للاستلهام منها منذ أن أعلن الرئيس البرازيلي (لولا) ورئيس فينزويلا (شافيز) ورئيس بوليفيا (مورالس) ورئيسة تشيلي (ميشال باشليه) بأنهم لا يقبلون ذلك المنطق المؤسس على القوة والهيمنة وهذه أول حركة عصيان رسمي في العلاقات الدولية انطلقت من أرض شي جيفارا ضد الاستبداد الليبرالي العالمي! وهي المبادرة التي أجبرت أوباما على إعادة العلاقات مع كوبا فنحن ندرك اليوم بأن مصير العرب أفلت من أيدي العرب وسيتواصل المشروع الأميركي الإيراني تدريجيا إلى مراحله الأخيرة ويحقق أهداف كل من الولايات المتحدة وإسرائيل والإتحاد الأوروبي وهي أهداف تتعلق أساسا بالحرب الباردة بين واشنطن وموسكو وهي الحرب المؤهلة للتسخين ولا يشكل العرب فيها (مع الأوكرانيين) سوى حطب للنار القادمة وسوى رقعة شطرنج عملاقة وهشة في لعبة الأمم. فاعتبروا يا أولي الألباب لعل الكارثة على الأبواب.