[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
أكن صادق التقدير والاحترام لمعالي وزير الخدمة المدنية لعدة أسباب منها:
أولاً : لما يتمتع به من شفافية وصدق لا تخطئهما العين في تصريحاته ومؤتمراته ولقاءته الصحفية وآخرها لقاؤه مع أعضاء مجلس الشورى على مدى يومين, قد يكون مرد ذلك فى ثقته بإنجازاته والتزام المؤسسة التي يشرف عليها بتطبيق النظم والقوانين في ممارستها لمسئولياتها.
ثانياً: تحليه بعدد من القيم الإنسانية في تعاملاته واخلاقياته الرقيقة مع الناس، وهي ذاتهاعندما كان عضواً في مجلس الشورى، أو مواطناً عادياً، أو وزيراً بعد ذلك، فقد ظلت تلك القيم جزءا أصيلاً من شخصيته، وهي من الاستثناءات في مجتمعنا، حيث وبمجرد أن يجلس الوزير ومن في حكمه على كرسي الوزارة، يضع عشرات الحواجز بينه وبين من يعرفهم، ولي في ذلك مواقف وتجارب كانت بمثابة اختبار غايتها استخلاص الدروس ووضع المقارنات لا غير.
ثالثاً: لانحيازه لمبدأ العدالة في توزيع فرص التوظيف المتوافرة وانشغاله بتبني أفضل الآليات والمعايير لتحقيق تلك الغاية السامية والهدف النبيل، وقد ساءت علاقته مع أقرب المقربين إليه لأنه التزم بمبادئه، ومن يقف على العديد من تلك الأمثلة يدرك منبع ذلك الاحترام، ولولا خصوصيتها لأشرت لها في هذا المقال, تأكيداً لما تمت الإشارة له. تلك القيم وغيرها مجتمعة تندرج آثارها في خدمة الصالح العام، كون أن الرجل وزيراً، وهذا ما يبتغيه المجتمع من وزرائنا الموقرين, وهذا هو مبرر الحديث عنها في مقال عام. القضية التي أختلف فيها مع معالي وزير الخدمة المدنية قضية " الترهل الإداري" والتي ظل على مدى يومين في مناقشاته مع أعضاء مجلس الشورى بتجنب الخوض فيها أو يتهرب من الإجابة عليها أو يحيلها إلى السائل لكي يقدم توضيحاً وتفسيراً أو أمثلة تقريبية توضح الأمر لمعالي الوزير، لأنه بحق لا يعرف ما هو " الترهل الإداري " المقصود في أسئلة أعضاء المجلس. يمكن لأنها كلمة فضفاضة أو لأن عشرات إن لم يكن مئات الممارسات والسلوكيات والصور تدخل في ملف " الترهل الإداري ". وليس لدي شك بأن مقصد أعضاء المجلس يطال مختلف المحاور المرتبطة بملف الترهل كما نراه ونرصده من مثل: أن المؤسسات وأجهزة الدولة توسعت بما يتجاوز الحاجة إليها ويصعب من ثم السيطرة على هذا التوسع، وكذلك الحال بالنسبة للموظفين في بعض هذه المؤسسات والإدارات، وغياب التوازن في توزيع الموظفين على الأجهزة والإدارات المختلفة دون مراعاة للحاجة الحقيقية، وعدم قدرة بعض الموظفين والمسئولين على الانتاجية والتطوير وتقديم الأفكار, وضعف الإنتاجية بشكل عام والإشراف والتقييم والمتابعة، خاصة في بعض الوزارات التي تتعامل مع المجتمع .. وهذا واقع يشتكي منه معظم المواطنين وترصده مختلف الكتابات والمؤشرات والتقارير التي ينشرها الإعلام، ومنها بالطبع مناقشات وملاحظات أعضاء المجلس الذين انطلقوا في طرحهم مستندين إلى تصريح معالي وزير الدولة للشئون الخارجية يوسف بن علوي بن عبدالله, الذي وصف الأداء الحكومي بأنه (( مترهل بطيء التجاوب .. )). ولا يبدو أن التوجيهات السامية التي قضت بإنشاء دوائر متخصصة تتبع الوزير أو رئيس الوحدة مباشرة لاستلام وتسجيل طلبات المواطنين قد حققت الغايات السامية والأهداف النبيلة المنشودة, ولا أعتقد بأنها تقوم بواجبها كما يجب, فمازال العديد من الأبواب مغلقة والإجراءات معقدة, والوسائل والبرامج قديمة, وما زال المواطن في العديد من الجهات يتجشم العناء ويعاني الأمرين حتى في المراجعات والمطالبات ذات الشأن العام.
قد تكون تلك المحاور ليست من مسئوليات وزارة الخدمة المدنية, أو ترتبط بسياسات وظروف تتعدى صلاحيات الوزير، ولكن لا أعتقد أن معاناة الجهاز الحكومي من الترهل الإداري غائبا عن معالي وزير الخدمة المدنية، أو أن مقصد الأعضاء وما رموا إليه خافياً عليه. وهو واقع يحتاج إلى معالجات وخطوات من خلال:-
أولا : قانون الخدمة المدنية الجديد بالتركيز على عناصر الإشراف والتقييم والمتابعة وتجويد العمل ورفع الإنتاجية وربطها بالترقية ومحاسبة المقصر.
ثانيا : مراجعة وتقييم الجهاز الإداري للدولة وتنظيم مؤسساته ودمج تلك التي تتركز اختصاصاتها في قطاع واحد، ومن ثم ضبط تلك الاختصاصات، ثالثا: العمل على تعزيز دور المؤسسات المتخصصة التشريعية والرقابية والإعلامية, وتمكينها من الرقابة والمحاسبة. هي رسالة ليست موجهة إلى وزير الخدمة المدنية لوحده وإنما إلى كل من يعنيه هذا الملف ويدخل ضمن مسئولياته.