[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
” .. ربح جلالته الرهان, واستطاع الشعب العماني في فترة قصيرة من الزمن, استيعاب الأفكار وطرق التشغيل الحديثة, واليوم كلنا نرى العمانيين يديرون دولتهم الحديثة, بكفاءة ويسر, ومهارة منقطعة النظير, بفضل تشجيع القائد, وثقته في قدرات هذا الشعب الذي ضرب مثالاً في الأصالة, والحب والوفاء لقائده, عقب عودته سالماً معافى من رحلة العلاج في الخارج.”
ـــــــــــــــــــــــــــ
لم أر شعباً ارتبط بقائده مثلما رأيت الشعب العماني, فمنذ غادر جلالة السلطان قابوس ـ حفظه الله ورعاه ـ أرض عمان لتكملة برنامج العلاج في الخارج , طرأ شيء لم اعتده على طبيعة العمانيين, فاكتست الوجوه بمسحة من الهم الممزوج بالقلق على صحة جلالته, وتوقف الحديث عن الخطط والمستقبل, انتظاراً لعودة باعث الأمل, الذي أعطى جهده ووقته من أجل نهضة عمان, وظل الإنسان العماني هو شاغله, وديدنه منذ توليه المسؤولية في 23 يوليو 1970م.
التفاف الشعب العماني حول قائده في علاقة فريدة لا يعرف كنهها ولا مغزاها إلاّ من عاش على هذه الأرض الطيبة, واقترب من الإنسان العماني البسيط الذي عندما تسأله عن ماضيه قبل مجئ قابوس, لا يخجل من سرد أحواله القاسية, ويحمد الله على نعمه وحاضره الزاهر بعد 45عاماَ من عمر النهضة المباركة.
بفضل عملي بمهنة الصحافة, أتيحت لي فرصة التعرف والاطلاع عن قرب على أحداث وإنجازات مهمة من تاريخ عمان الحديث, الذي يؤشر له المؤرخون ببداية عصر النهضة المباركة, تحت قيادة جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ في 23يوليو 1970م, ولفت نظري شيئان مهمان في مسيرة التأسيس والإنشاء لمؤسسات الدولة وأجهزتها الإدارية والتنفيذية: أولهما دور جلالته المؤثر في اختيار وترتيب الأولويات, واهتمامه بالتفاصيل وحرصه على حصول الشعب العماني على أفضل الأشياء, وأرقى مستوى من الخدمات, حيث اختار جلالته الاختيار الصعب وهو البدء من حيث انتهى الآخرون, مهما كانت التكلفة؛ في دولة محدودة الموارد في ذلك الوقت, ولكن ثقة جلالته في المستقبل, وإيمانه بقدرات الشعب العماني على العمل والتطور والبناء والوفاء بالالتزامات, جعله يغامر ويصر على جلب أحدث ما توصل إليه العلم الحديث من تكنولوجيا, والاستعانة بأفضل الخبرات والكفاءات البشرية, لتدريب الشباب العماني على استيعاب التكنولوجيا, والعلوم الحديثة.
وربح جلالته الرهان, واستطاع الشعب العماني في فترة قصيرة من الزمن, استيعاب الأفكار وطرق التشغيل الحديثة, واليوم كلنا نرى العمانيين يديرون دولتهم الحديثة, بكفاءة ويسر, ومهارة منقطعة النظير, بفضل تشجيع القائد, وثقته في قدرات هذا الشعب الذي ضرب مثالاً في الأصالة, والحب والوفاء لقائده, عقب عودته سالماً معافى من رحلة العلاج في الخارج.
وهناك تجربتان أثارا إعجابي وتوقفت عندهما طويلاً؛ خلال اقترابي من تجربة السلطنة في تأسيس الدولة العصرية؛ هما قطاعا الأمن, والطرق, فالجميع (مواطنون ومقيمون وزائرون) يشيدون بأداء شرطة عمان السلطانية, في زمن تحول الأمن إلى هاجس يسيطر على اهتمام الدول , والشعوب في شتى بقاع الأرض, بعد ضرب الإرهاب لأميركا وأوروبا, واستراليا, وتحول منطقتنا العربية إلى ملجأ للإرهابيين ومرتع للأعمال الإرهابية؛ التي أوقفت خطط التنمية وأثرت على حياة الشعوب, وشلت اقتصاديات كثير من الدول العربية.
من يرى أداء شرطة عمان السلطانية, والكفاءة والمهنية التي تقدم بها خدماتها؛ يعتقد أنه مر على تأسيسها مئات السنين, ولكنه قطعاً سيذهل عندما يعلم أن عمرها من عمر النهضة المباركة, وأنها كانت قبل 1970م فرعاً تابعاً للجيش السلطاني العماني, وأن جلالته عندما أصدر أوامره السامية بتأسيس شرطة عمان السلطانية حرص على أن يضاهي مستواها, أعرق أجهزة الشرطة في العالم, لذلك لم يبخل عليها بأرقى أنواع التدريب الأمني, والتنظيم الإداري والتقني, في الداخل والخارج, ووفر لها أحدث التجهيزات والمعدات التقنية, والدعم اللوجستي اللازم لتقوم بدورها في خدمة الوطن والمواطن وفق أعلى معايير الجودة و الكفاءة المهنية.
يكفي أن نعلم أن شرطة عمان السلطانية من أوائل أجهزة الشرطة العربية التي استعانت بالطائرات بجميع أنواعها, لأداء مهام الأمن, والإنقاذ, وتوصيل المساعدات للأماكن الوعرة التي يصعب الوصول إليها بالسيارات, وبدأ ذلك في وقت مبكر منتصف السبعينيات من القرن الماضي, بفضل حرص جلالته على أن تقوم شرطة عمان السلطانية بأدوارها الإنسانية بجانب دورها الأمني, وكلنا يتذكر دور شرطة عمان السلطانية في الأنواء المناخية التي ضربت السلطنة خلال السنوات الماضية, وكيف استطاعت التخفيف عن المتضررين, والوصول سريعاً للمناطق المتأثرة.
وكان حرص جلالته ـ حفظه الله ورعاه ـ منذ اليوم الأول لتوليه مقاليد الحكم على ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان وجعل الشرطة في خدمة الشعب عندما قال في بواكير خطبه: (وأول هدفي أن أزيل الأوامر غير الضرورية التي ترزحون تحت وطأتها), (فاعتباراً من اليوم ترفع جميع القيود على التنقل والسفر) واستمر هذا النهج وتطور حتى صار عقيدة لدى أفراد شرطة عمان السلطانية؛ قوة وحزم في إنفاذ القانون على الجميع, دون المساس بالكرامة أو النيل من الحقوق التي كفلها القانون للمواطنين.
والمجال الآخر الذي نال رعاية واهتمام جلالته منذ اليوم الأول لتوليه المسؤولية هو مجال الطرق والمواصلات, فعند قيام النهضة المباركة كانت الطرق الصالحة للسير تكاد تكون معدومة, ولعل هذا يفسر ما ورد في حديث جلالته للشعب عبر الإذاعة في عام 1970م عندما قال جلالته ـ حفظه الله ورعاه ـ (ولكن بالنظر إلى حالة الطرق في السلطنة فمن الضروري الحفاظ على السلامة العامة بتجنب ازدحام السير، وذلك بفرض رقابة في الوقت الحاضر على إصدار رخص السيارات), يتضح من حديث جلالته حرصه على سلامة وأمن المواطن , وأنه أدرك ـ حفظه الله ورعاه ـ أهمية إنشاء شبكة طرق حديثة تكفل الأمن والسلامة للجميع, وتربط بين مدن وولايات السلطنة المختلفة.
ومرت الأعوام وتحول الحلم إلى حقيقة, وأصبحت السلطنة تمتلك شبكة طرق حديثة يغبطها عليها الدول المجاورة الأكثر ثراءً, ورأينا الزوار من الدول المتقدمة يشيدون بمستوى الطرق بالسلطنة, ومراعاتها المواصفات القياسية العالمية في الأمن والسلامة.
هذا المستوى الراقي لشبكة الطرق العمانية يتحقق رغم الطبيعة القاسية والاضطرار لتفجير المرتفعات, واختراق الجبال والوهاد, لربط أنحاء السلطنة, بعد أن أصبحت الطرق الحديثة هي شريان الحياة والتنمية, والحبل السري الذي يربط السكان بالحضارة والمدنية, ولعل هذا يفسر حرص جلالته ـ حفظه الله ورعاه ـ خلال جولاته السامية التي جاب خلالها مناطق السلطنة المختلفة خلال السنوات الماضية, أن تكون هديته لأبناء هذه المناطق, هو إنشاء الطرق, لربطها بشرايين التنمية, ومدها بأسباب التقدم والرخاء.
هناك تغير لمسته منذ عودة جلالة السلطان ـ حفظه الله ورعاه ـ سالماً معافى من رحلة العلاج, هو عودة الروح والحياة لشوارع وميادين وطرق السلطنة, وعاد التفاؤل والابتسام لمحيا العمانيين, ودب النشاط في أوصال الجميع ليعاود العمل بجد ونشاط؛ ومنذ عودة جلالته وحتى اليوم تتواصل مسيرات العمانيين راسمة لوحة شكر وامتنان ووفاء في حب القائد الذي أعطى فأوفى, ومازال في جعبته الكثير ـ إن شاء الله ـ , ليقدمه لشعبه وأمته ـ أطال الله في عمره ـ ليظل الشجرة الوارفة التي يحتمي بظلها الجميع, وينتظر فيئها كل من يعيش على هذه الأرض الطيبة, التي علمت أبناءها البر, والكرم والجود والعرفان بالجميل.