استكمالا لحديثنا في أحكام قانون الشركات التجارية العماني عامة، وأحكام الشركات المساهمة العامة خاصة، نخصص هذه المقالة للحديث عن المسؤولية المدنية لأعضاء مجلس الادارة. حيث تتنوع الأخطاء المدنية التي قد تقع سواء من رئيس مجلس الادارة أو أحد أعضائه، كما أنه بطبيعة الحال يختلف الشخص المضرور نتيجة ارتكاب تلك الأخطاء، فقد يكون المضرور الشركة ذاتها ويتحقق ذلك- على سبيل المثال- عند مخالفة الأعضاء القيود المرسومة في القوانين أو في نظام الشركة ذاته. مما قد يرتب ذلك تحميل الشركة بأضرار مادية أو معنوية... كما قد يكون المضرور من الخطأ الذي ارتكبه أعضاء مجلس ادارة الشركة قلة من المساهمين فقط، كما لو اتخذ المجلس قرارا يضر بمصلحتهم لصالح أغلبية المساهمين... وقد يتعدى الضرر ليصيب الغير كتقديم المجلس ميزانية غير صحيحة الى أحد البنوك، فيقدم هذا الأخير ائتمانه الى الشركة استنادا الى هذه الميزانية غير الصحيحة... وعلى ذلك تقوم مسؤولية أعضاء المجلس تجاه الشركة وتجاه المساهمين وتجاه الغير... ومن ثم يحق لأي من هؤلاء رفع دعوى مدنية على أعضاء المجلس في الحالات وبالأشكال المنصوص عليها في قانون الشركات العماني... وقواعد الحوكمة الجديدة. ونكتفي- في هذه المقالة- ببيان أحكام مسؤولية أعضاء مجلس الادارة تجاه الشركة باعتبارها الغالب في حدوثها وتفسيرا لذلك فقد رسمت الفقرة الأولى من المادة (102) من قانون الشركات حدود تدخل مجلس ادارة شركة المساهمة حيث جرى نص هذه الفقرة بالقول "لمجلس الادارة أوسع الصلاحيات للقيام بجميع الأعمال التي تستلزمها ادارة الشركة لتحقيق موضوعها ولتنفيذ مقررات الجمعية العامة..."... وتطبيقا لنص المادة (102) سالفة الذكر، يستطيع المجلس القيام بجميع أعماله اليومية المتعلقة بشؤون الشركة، وتأكيدا على ذلك جاءت الفقرة (1) من المادة (103) في الاتجاه ذاته حيث قد رسمت حدود سلطات رئيس مجلس الادارة بقولها "يقوم رئيس مجلس الادارة بتنفيذ مقررات المجلس... وذات الأمر نجده في المادة (104) من ذات القانون. الا أنه وفي مقابل هذه الصلاحيات الواسعة التي منحها القانون لرئيس وأعضاء المجلس فقد كرست نصوص القانون مبدأ مسئولية أعضاء مجلس الادارة عن أخطائهم في مواضع عدة ومن أمثلة ذلك ما ورد في المادة (109) من قانون الشركات التي تنص على إن أعضاء مجلس الادارة مسؤولون تجاه الشركة والمساهمين والغير عن الأضرار الناتجة عن أعمالهم المخالفة للقانون وعن أعمالهم التي تتجاوز حدود صلاحياتهم وعن أي غش أو اهمال يرتكبونه في أداء مهامهم وكذلك عن عدم تصرفهم تصرف الشخص المتبصر في ظروف معينة..." وكذا هو الحال ما ورد في المادة (172) "أن فرض العقوبات المنصوص عليها في هذا الباب لا يؤثر على ما يترتب على العمل أو التقصير المعاقب عليه من نتائج قانونية بما في ذلك المسؤولية المدنية عن الأضرار التي قد يسببها هذا العمل أو هذا التقصير." وقد نحت المادة (6) من القرار رقم (137/2002م) المتعلقة بقواعد وشروط انتخاب أعضاء مجالس ادارة شركات المساهمة العامة والأحكام الخاصة بمسؤولياتهم هذا المنحى حيث يجري نصها بالآتي "يكون أعضاء مجلس ادارة الشركة المساهمة العامة مسؤولين مسؤولية تضامنية دون الاخلال بمسؤولية كل منهم الشخصية أو بالمسؤولية الجنائية عما يرتكبونه من أعمال بالمخالفة لأحكام قانون الشركات التجارية أو عما يترتب على عدم القيام باختصاصاتهم وعلى وجه الخصوص الاختصاصات المنصوص عليها في المادة التالية من الأضرار بالشركة أو حقوق المساهمين"... وعلى هذا يتبين بوضوح تام من خلال النصوص القانونية أنها تكرس مسؤولية مجلس الادارة عن الأخطاء التي تقع منهم مخالفة لأحكام القانون... ونفسر من جانبنا "مصلح القانون" الذي ورد بالمادة (109) من قانون الشركات بمعنى واسع ليشمل نصوص وأحكام قانون الشركات وكذلك نصوص وأحكام القوانين الأخرى ذات العلاقة كالقانون التجاري، وقانون السجل التجاري، والقرارات الصادرة من الهيئة العامة لسوق المال وغيرها... وبالتالي فإن أعضاء المجلس يسألون عن عدم القيام بأي اختصاصات أسندها قانون أو قرار أو تعميم ولعل أبرزها القيام بالتصرفات التي يلزم فيها القانون موافقة الجمعية العامة- دون الحصول على الموافقة- مثل التبرعات واجراء الرخص أو التأمين على الموجودات أو كفالة ديون الغير... كذلك المجلس مسؤولا عن عدم اعداد أو عدم نشر الميزانية وحساب الأرباح والخسائر عن السنوات المالية- كما أن المجلس مسؤول عن عدم اقتطاع الاحتياطي القانوني للشركة... وفوق ذلك- والى جانب تلك الحالات- يمكن أن تترتب مسؤولية أعضاء المجلس اذا تجاوزت حدود صلاحياتهم الممنوحة لهم بنص القانون أو نظام الشركة. وما يجب الاشارة إليه إلى أن مسؤولية أعضاء المجلس لا تقتصر فقط على الأخطاء التي تظهر أثناء حياة الشركة وانما تمتد الى الأخطاء التي تكتشف بعد افلاس الشركة استنادا لنص المادة (695) من قانون التجارة العماني "اذا تبين بعد افلاس الشركة أن موجوداتها لا تكفي لوفاء 20% على الأقل من ديونها، جاز للمحكمة، بناء على طلب قاضي التفليسة أن تقضي بإلزام جميع أعضاء مجلس الادارة أو المديرين أو بعضهم بالتضامن أو بدون تضامن، بدفع ديون الشركة كلها أو بعضها الا إذا أثبتوا أنهم بذلوا في تدبير شؤون الشركة العناية الواجبة." وعلى هذا اذا تحققت حالة أو أكثر من حالات المسؤولية المدنية لأعضاء مجلس الادارة فإنه يحق للشركة أن تقيم الدعوى على العضو أو الأعضاء التي تعتبره أو تعتبرهم مسؤولين عن الأضرار التي أصابتها. بيد أن هذه الدعوى التي يمارسها الشخص المعين من مجلس الادارة أو المصفي أو أي مساهم نيابة عن الشركة تثير تساؤلا في غاية الأهمية عن طبيعة هذه المسؤولية هل هي مسؤولية تعاقدية أم أنها مسؤولية تقصيرية يلزم لاثباتها اثبات الخطأ في حق مجلس الادارة... وحيث إنه لم يرد في نصوص قانون الشركات ولا القوانين ذات الصلة ولا التعاميم والقرارات الصادرة من الهيئة العامة لسوق المال تحدد طبيعة هذه المسؤولية. فنميل من جانبنا الى ما ذهب إليه أغلبية الفقه من تكييف العلاقة بين أعضاء مجلس الإدارة والشركة بأنها علاقة "وكالة" حيث المجلس وكيل عن الشركة يمثلها ويمارس أعمالها القانونية بدلا منها... كما نرى أن المشرع العماني يميل إلى الأخذ نظرية الوكالة وان لم يصرح بذلك... بدلالة المادة (102) من قانون الشركات... هذه قراء سريعة في أحكام المسؤولية المدنية لأعضاء مجلس الادارة. لمزيد من الايضاح يمكن للقارئ الرجوع الى قانون الشركات التجارية العماني والقوانين المكملة له والقرارات ذات الصلة،،،

سالم الفليتي
محام ومستشار قانوني
كاتب وباحث في الحوكمة والقوانين التجارية والبحرية
[email protected]