أحمد درويش يتمنى الاحتفاء بـ"أبي مسلم البهلاني".. والبابطين يرد: "سأقترح إقامة دورة باسمه في عمان"

سعيد الصقلاوي: الخليلي صاغ شعره الغزلي ليمجد القدرة الإلهية ولتعنو نفسه إجلالا لها واحتفاء بنعمة الجمال

محمد الخليلي: والدي لا يكاد يشغله عن الشعر شاغل إلا ما لا يستطيع رده فهو يكتب ويقرأ ويراجع ويصحح ودواوينه لا تفارقه أينما سار

الكويت ـ خلفان الزيدي:
قال عبدالعزيز سعود البابطين رئيس مجلس أمناء مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين، إنه سيقدم اقتراحا إلى مجلس أمناء المؤسسة للاحتفاء بالشاعر العماني أبي مسلم البهلاني واقامة دورة باسمه في عمان، في الدورة التي تعقب دورة أكسفورد القادمة.
جاء ذلك في رد سريع على الاقتراح الذي قدمه الدكتور أحمد درويش إبان الجلسة الأدبية الثانية في مهرجان ربيع الشعر العربي الذي تنظمه مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين في مكتبتها في الكويت، والذي احتفى بالشاعر العماني عبدالله الخليلي بالإضافة إلى الشاعر الكويتي راشد السيف. وقد أشار الدكتور أحمد درويش إلى أن تاريخ الأدب في عمان حافل ولو ألقينا عليه الضوء لوجدنا فيه ثراء وتنوعا، ووجدنا شعراء ينبغي أن نضيء جوانب حياتهم أمثال الشاعر السلطان سليمان بن سليمان والستالي والحبسي والكيزاوي والحضرمي، وكذلك شعراء زنجبار وعلى رأسهم الشاعر الشيح أبي مسلم البهلاني، مشيرا إلى أن إضاءة حياة هذا الشاعر ستكشف لنا جوانب مهمة من الأدب العربي في شرقي أفريقيا، ولذلك ــ والحديث للدكتور أحمد درويش ــ أنا أدعو عبدالعزيز سعود البابطين إلى تبني إقامة دورة باسم هذا الشاعر العماني الكبير. وتحدث الدكتور أحمد درويش عن بداية تواصله مع الشاعر الشيخ عبدالله الخليلي، وعرج للحديث عن تكوين الشاعر، مشيرا أنه كان أشهر شعراء عمان بعد أبي مسلم البهلاني، ولقد ولد تقريبا في العام الذي رحل فيه أبو مسلم في سنة 1920 أو حولها، وقد لمع اسمه شيئا فشيئا وأصبح بحق من كبار شعراء العربية في النصف الثاني من القرن العشرين.
وأضاف: ينبغي أن يسند إلى عائلة الشعراء الكبار في هذه الفترة، هو له نفس الرصافي والجواهري وأحمد العدواني ومحمد التهامي وكثير من كبار شعراء العربية في النصف الثاني من القرن العشرين، ومن حق طلاب اللغة العربية وعشاقها أن يكتشفوا هذه الآفاق، وربما لا يعود النفع عليهم، وإنما يعود إلى من يكتشف شعره ويتحدث عنه، ولذلك فإن هذه الأمسية التي أقيمت والكتب التي طبعت تلقي بعضا من الضوء على طريقة تكوين شاعر عماني.
وإذا قسمنا بصفة عامة وسائل تأثر الشعراء التقسيم الذي افترضه العقاد وهو يتحدث عن حافظ إبراهيم وأشار فيه إلى أن هنالك فرقا بين مرحلة شاعر المجلس، وشاعر المطبعة، وأن واحدا كحافظ إبراهيم في نظر العقاد كان يعبر المنطقة الوسطى بين شاعر المجلس وشاعر المطبعة، شاعر السماعة وشاعر القراءة، فإن عبدالله الخليلي يمكن أن يوضع في هذه المرحلة في تاريخ التكوين، فهو نشأ في أدب المجالس كان ذلك الأدب يتطلب نوعا من الثقافة الخاصة يتلقى فيه المريد علمه على يد شيوخه، يأتون إلى المنزل، أو في مجالس العلم التي يذهب إليها في سمائل ونزوى وغيرهما، وفي هذه المجالس كان يجرى تقليد ربما لم يكن شائعا في غير عمان.
فالمجالس التي تضم الشداة وكبار العلماء أمثال الشيخ خلفان بن جميل السيابي، والشيخ محمد راشد الخصيبي وغيرهما، تدرب الشادي على فن الأسئلة الشعرية، وهو فن يمتزج فيه الفقه بالشعر، فالشعر عندما يقف على قدمين ويمتلك أدواته، يظهر ذلك من خلال سؤال يصوغه شعرا، وعلى الأستاذ أن يتأمل وأن يقدم الاجابة بنفس البحر، ونفس القافية، لتلميذه لكن هذا السؤال وهذا التلميذ لا يتوقف عند ذلك المجلس بل يتحول من مجلس إلى مجلس، ومن سمائل إلى نزوى والحمراء، ومن هذه المدينة إلى تلك لتصبح هذه المفردات المتبادلة بين الشداة والعلماء في الشعر والفقه.
ولا بد من أن تتطور الأمور فيصبح سائل اليوم، مجيب الغد، عندما يصلب عوده فيتحول إلى صاحب مجلس تقدم إليه الأسئلة شعرا وهو يجيب عنها شعرا.
الفلسفة الأخلاقية في الشاعر
الورقة الثانية في الجلسة قدمها المهندس سعيد بن محمد الصقلاوي، وحملت عنوان "الفلسفة الاخلاقية في الشاعر عبدالله بن علي الخليلي"، وتناول ضمن ما تناول موضوع الجمال في شعر الشيخ عبدالله بن على الخليلي، وقال في هذا الصدد عندما أردنا تناول الجمال في شعر الشيخ الخليلي، فإننا لا نسعى الى التفصيل والتحليل في هذا الموضوع الواسع والعميق، ولكنا اردنا نشير الى كيفية التناول الذي سلكه الشاعر في تعبيره عن الجمال مستخدما نفس تقنيات السالكين/ المتصوفة ومرد ذلك الى تربية الشيخ الاسلامية وتنشئته الدينية وتأثره بجده الشاعر والعالم الرباني الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي وبعمه الامام محمد بن عبدالله الخليلي وبشيوخه من العلماء العمانيين، وامتثاله طريق الصالحين.
ولذا فان المنتخبات الشعرية التي نقدمها في هذا الاتجاه تضيء جانبا من مساحة هذا التوجه وتثير النفس وتستدعيه لتتبع هذا المسار الجمالي في شعره. ومما لاشك فيه، أن أي فن يسعى جاهدا يسخر طاقاته وإمكاناته وإبداعه ليحقق الحاجة الجمالية للانسان فهو يسعى ليحقق "مجموعة من التوازنات الاخلاقية والسلوكية والنفسية والاجتماعية والروحية".
وقال المهندس سعيد الصقلاوي: لقد صاغ الشاعر الشيخ عبدالله بن على الخليلي شعره الغزلي ليمجد القدرة الإلهية ولتعنو نفسه اجلالا لها واحتفتاء بنعمة الجمال ولذلك كانت تعابيره منتقاة بعناية وصياغته مسبوكة عن دراية واشاراته حذقة في تعاطيها، وحذرة في لمحاتها، وموجهة في قصدها الاسنى.
لمحات من حياة الخليلي
وسرد الشيخ محمد بن عبدالله الخليلي، بعدئذ في ورقته التي قدمها في الندوة الاحتفائية بالشاعر عبدالله بن علي الخليلي، لمحات من حياة والده، مشيرا أن الشاعر عبدالله بن علي بن عبدالله بن سعيد بن خلفان الخليلي الخروصي، ولد في مدينة سمائل في ٧ محرم عام ١٣٤١ هـ على اقرب الاحتمالات أي حوالي عام ١٩٢٢ م وتوفي يوم الأحد ٢٨ ربيع الآخر ١٤٢١ هـ الموافق 30 يوليو ٢٠٠٠م وقد عاني في أواخر عمره من مرض باركنسون او المرض الرعّاش الذي أقعده وحرمه من القدرة على الحركة والكتابة بل وحتى الكلام وقد تسبب في وفاته في آخر المطاف.
بدأ بتعلم القرآن الكريم في بلدته سمائل على يدي مقرئ خصصه له والده ثم درس العربية كتابة وقراءة وإعراباً على يدي عدد من العلماء والأساتذة في بلدته ثم انتقل الى جوار عمه الامام محمد بن عبدالله الخليلي في نَزوى عاصمة الإمامة ومجمع العلماء والأدباء والكبراء من أهل الحَل والعَقد وهناك تتلمذ على يدي عمه بمجالسته له ومعايشة واقع حياته اليومية ومخالطته لعلماء وأدباء عصره فأخذ منهم ما أخذ من شتى فنون المعرفة، ولعل هذه الفترة من حياته هي أهم فترات تكوين شخصيته وتبلورها.
وقال: لقد تنقل الوالد في حياته بين سمائل حيث تقيم والدته وهي رَيَّا بنت أحمد بن سعيد بن خلفان الخليلية وبوشر التي انتقل اليها والده علي بن عبدالله بن سعيد بن خلفان الخليلي - بحكم انها كانت موطن جده سعيد بن خلفان الخليلي وآبائه قبل انتقاله الى سمائل - وبين نزوى عند عمه الامام الخليلي ، وبعد وفاة والده في مطرح ودفنه في بوشر عام ١٣٦١ هـ بقي اخوه الأكبر العم هلال في بوشر وبقي هو واخوه الأصغر العم سعود في سمائل ثم انتقل الامام الخليلي الى رحمة ربه في ٢٩ شعبان ١٣٧٣ هـ فانقطعت زيارة الوالد الى نزوى تقريباً وبقي معظم وقته في سمائل مع أخيه سعود وزيارات أخيهما هلال بين بوشر وسمائل ولعل هذه الفترة كانت اصعب ما يكون عليه ولكن المعاناة هي رحم العبقرية ومولدها واذا كان الوالد قد بدأ قول الشعر أيام الإمام الخليلي الذي شهد له بالنبوغ وتنبأ له بالتفوق فقد أنضجت هذه الفترة موهبته ومهدت الطريق أمامه حتى يشق طريق المجد والسؤدد الأدبي وفتحت له أبواب الانفتاح على العالم ولو بشكل ضيّق لكنه أتاح له الإطلالَ ولو من بُعد على العالم الخارجي حيث زار الهند عام ١٩٥٤م.
وتحدث الشاعر محمد الخليلي عن حب والده للشعر ومدى اهتمامه به، فقال: لقد عايشتُ سيدي الوالد طوال عمري فرأيت منه حتى قبل أن أفْقَهَ أو أعيَ الشعر مدى حبه واهتمامه به إذ لا يكاد يشغله عنه شاغل إلا ما لا يستطيع رده فهو يكتب ويقرأ ويراجع ويصحح، دواوينه لا تفارقه أينما سار ومعها مصحفه الذي يغتنم الفرصة للقراءة منه ما يتيسر من القرآن الكريم آناء الليل وأطراف النار وذلك زادُهُ الذي لا يتركه شأنه شأن أوراده وذِكره الذي يخصص له اوقاتاً محددة في الليل والنهار، اما غير القرآن الكريم فإن الكتب الاخرى التي لا تفارقه هي القاموس المحيط وبالتحديد على ترتيب القاموس وهذه الكتب جميعاً اي المصحف ودواوينه والقاموس موجودة معه دائماً في شنطة خصصها لهذا الغرض ينقلها معه أينما حلّ وارتحل.
وأشار الخليلي إلى أن والده كان يحب الكتابة كثيراً ويحب تنظيم كتبه وتسطيرها وتزيينها بالخطوط الجذابة بعدة ألوان وكان اذا بدأ كتابة قصيدة وكثيراً ما يحدث ذلك فإنه يعيش في جوّها ولا يحب ان يقاطعه احد فهو لا ينفكّ عنها إِلَّا لأداء صلاةٍ واجبة أو ضرورة ، وكان يكتب القصيدة حتى ينتهي منها ثم يبدأ بمراجعتها وتعديلها وتصحيحها والتأكد من بعض الكلمات من القاموس حتى اذا رضي عنها عرضها على أصحابه من الشعراء الذين يثق بهم ويطمئن اليهم ليسمع آراءهم وانتقاداتهم فيأخذ منها ما يقتنع به او يستسيغه او يستحسنه ثم يطرحها في مجالس الشعر سواء مجلسه او مجلس غيره فإذا عرض عليه احد ولو لم يكن من الشعراء او الأدباء ولكنه ممن يتذوقون الشعر ويفرّقون بين جيده ورديئه كان يستمع الى رأيه وقد يأخذ به اذا رآه حسنا.
أمسية شعرية
ختام مهرجان ربيع الشعر العربي، كان مع الأمسية الشعرية الثانية التي شارك فيها كل من الشاعر العماني هشام بن ناصر الصقري، الذي قدم قصائد بديعة نالت اعجاب الجمهور، بالاضافة إلى الشعراء عبدالله الفيلكاوي ومريم فضل وسالم الرميضي من الكويت، وعلاء جانب ومدحت الأسيوطي وسعيد شوراب من مصرومحمد إبراهيم يعقوب من السعودية، وضياء الحريري وخلف كلكول من سوريا، ومحمد أمين العمر من فلسطين.
ومن ضمن ما قدمه الشاعر هشام الصقري، وفي مناسبة احتفاء مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين بأمير البيان الشيخ عبدالله بن علي الخليلي قصيدة "مقامة الوحيِ والعبقرية".. وهي قصيدة تضج بالصور البديعة وجماليات البيان وهو يحلق في عوالم الشاعر الخليلي، يقول الصقري في أحد مقاطعها:
في مقامٍ سَمائليِّ بَديعٍ ظلَّ يَنزو إيقاعُهُ نَزَوِيَّا
أَحملُ النخلةَ الأصيلةَ، هذا عِذْقُ إيمانِها يَشِفُّ جَنِيَّا
أيُّ رُؤيا تُطِلُّ من نَظَراتي! ونشيدٍ يَرِنُّ في أُذُنيَّا!
أيُّ سُبحِيَّةٍ تُسَبِّحُ عشقًا تَنتشي بكرةً، تَحِنُّ عَشِيَّا!
أيُّ يَاقوتةٍ تُلَوِّحُ لمَّا نَضَّ شِعري جَمَالَهُ اليُوسُفِيَّا
هيَّأَ السَّعيُ لي الخُطَى، ولهذا كان هذا الطريقُ لِيْ يَتَهيَّا.
وقد شهدت الأمسية في ختامها، تقديم هدية تذكارية من بعض شعراء عمان، إلى عبدالعزيز سعود البابطين، وسط تقدير من الحضور العماني الذي زين قاعة مسرح مكتبة البابطين للبادرة التي أعلنها البابطين بتقديم اقتراح للاحتفاء بالشاعر العماني أبي مسلم البهلاني في دورة تقام على أرض السلطنة.