[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
للذاكرة ألف نافذة ونافذة، ولا تتراجع عن الاحتفاظ بالذكريات الزاخرة بالألم والعذاب، وبالنسبة للذاكرة العراقية الجمعية فإنها تزخر بأحداث أبطالها الأميركيين، ومهما حاول البعض استبدال حدث بآخر ومحاولة التغطية على ما حصل في هذا المفصل أو ذاك فإن نسيان ما حدث لن يكون سهلا، ولا يمكن أن يغفر الضحية بل قل الضحايا لمن استل خنجره وراح يثخن الجراح بالناس من اطفال ونساء وشيوخ.
لم تتوقف جرائم الأميركان ضد العراقيين، فقد كان لفرض الحصار منذ اب- اغسطس 1990 ، والاصرار على استمراره أكثر من وجه للجريمة ضد الإنسانية، هذه الجريمة التي تناسلت من اغطيتها الكثير من الجرائم لتلحق بالعراقيين الكثير من الجرائم.
وعندما انتهت حرب الخليج الأولى نهاية فبراير 1991 ، ضمن اتفاق وقف اطلاق النار بين العراق وقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، فإن الأمر يعني أن يتوقف استهداف الناس في كل مكان، لأن الحرب بكل بشاعاتها فإن القوانين تبقى تحكمها، وأن الذي يرفع يده عن الزناد يصبح إنسانا بسيطا، وطالما أنه لا يصوب بندقيته نحو الآخر فإن الأمر اصبح ضمن حيز السلم حتى وإن كان خاسرا أو منهزما، لأن الهدف من الحرب ليس استمرار القتل وتدمير الآخر، وإنما الوصول إلى عتبة السلم والسلام التي يتوق إليها هذا الطرف أو ذلك أو كلا الطرفين والأطراف.
لكن الذي حصل بعد إعلان وقف اطلاق النار، وهي اللحظة التأريخية الفاصلة بين حقبتين، الأولى تنذر بالمزيد من القتل والدماء والدمار، حيث يتواصل التراشق بالصواريخ والقنابل بين القوتين، والثانية استنشاق الحياة بعيدا عن سيول الدماء ، وهذا هو مفهوم السلم ومعنى الحرب، ولهذا السبب تتحرك شخصيات ودول ومنظمات لوقف الحرب اينما حصلت ، لكي يتوقف هدر الأرواح وإزهاقها وسفك الدماء وايقاف عربة التدمير بفعل القوة العسكرية.
في واحدة من جرائم الحرب البشعة التي ارتكبتها الولايات المتحدة الأميركية بحق العراقيين، وهي ليست الجريمة الوحيدة، بل واحدة ضمن سلسلة طويلة وكثيرة الصفحات والأوجه تلك التي طالت عشرات الآلاف من الجنود العراقيين الذين انسحبوا من الأراضي الكويتية بعد إعلان وقف اطلاق النار، فقد اغارت طائرات أميركية مقاتلة ومروحيات على آلاف الجنود المنسحبين مشيا أو بعربات ولم تكن معهم اسلحة على الاطلاق، وبينما يسير هؤلاء وسط الصحراء وصدورهم مكشوفة تماما وإذا بتلك الطائرات المجرمة توجه صواريخها بكل حقد لتحصد آلاف الجنود وتصنع مقابر على رمال الصحراء.
لذلك سيحتفظ العراقيون في ثنايا الذاكرة الجمعية بصورة المجرم الوحش القاتل، وتسجل آلاف العوائل صور الآباء والأبناء من ضحايا تلك الجريمة في كل مكان من البيت والنهر والشجرة العراقية.