حين أهدت الشاعرة فدوى طوقان قصيدتها الى الشاعر الراحل محمود درويش قالت فيها " يمينا بعد اليوم لن أبكي". فهل يريدنا البعض ان نعود الى البكاء على صدر حبيب اسمه الوطن العربي وعنوانه قلوب العاشقين لأمة مهما فعلوا فيها فهي أقوى من أن تصيبها جروح اللئام.
لكننا لن نبكي ولن نتأثر، انما لن ننسى.. وخير التذكر ان تظل عقولنا سليمة معافاة غير مصابة بالتصحر الذي أصيبت به بعض العقول كما اصيبت قلوبها بالتحجر. لن ننسى رغم الذاكرة المفتوحة على مداها وهي تنظر الموت الرخيص لأطفال لم يدروا سبب موتهم، ولكبار تساءلوا عن سبب موتهم في رسالة العيون التي قالت آخر الكلمات.
هل كان قدرنا الدائم ان نبكي فلسطين، وان يأخذنا البكاء لغزة المصابة، وان تهطل الدموع البريئة على مشهد سوريا، وان نرى في العراق مايطول البكاء المر .. وكيف كلهم يتمرجلون علينا بهذه الطريقة التي لاتنسى، يأخذون منا صباحا كان قد صنع ذات يوم بأيد حرة وبمشوار سريع خطه زعيم في هذه الأمة ثم تركه سؤالا: هل ثمة من يمضي به ام نمل انتظار الوجه الكاريزماتي مرة اخرى، والعينين السوداوين اللتين شعتا أملا في زمن المصاعب.
كل لفتة اليوم تذكرنا بفلسطين، كل طفل يمني قتلوه فتح باب السؤال عن فلسطين .. وكل رجل صلبوه أو ذبحوه سيظل يقودنا الى فلسطين. جميعهم أخوة في القتل، ماشاء الله .. وجميعهم قادوا التاريخ الى حيث تخجل منه الوجوه. فهل ننسى ..
سيرحم الله من أعانوا ومن أغاثوا ومن حملوا المصاعب في قلوبهم وترجموها مواقف في حياتهم .. فكيف ينسى هؤلاء ان لهم أمة لم تكن مصنوعة من تمر يأكلونها عند الجوع، كانت لهم من صخر وصوان ومن حنين الى مارتبته من تواريخ، ومن تراث يضج بحبها للانسان .. ألم نقرأ ذلك في كتاب " شمس العرب تسطع على الغرب " ونرى فيه ما نسيه العربي في رحلة زمانه.
لن ننسى ولن نصاب بالزهايمر، وحتى المصاب بهذا المرض يظل فيه شيء من عنفوان ماضيه الى ان يقتله الحاضر.
ستظل الأمة تنبعث سواء غطوها برماد ابادتهم ، او مدوا لها اليد لتصعد الى الهاوية .. هؤلاء يجهلون القيم التي تنبعث من تاريخ اصيل ، وكيف يتعايش المجد مع حلاوة الحاضر عندما يتكون من مناضلين تصعد زفرات قلوبهم لتصل السماء.
كانت لنا كل الاسماء المضيئة ، فماذا كان لهم غير العتمة .. وكانت لنا كل الصولات التي أكدنا فيها سر المرحلة، فيما كان لهم جولات من اسرار قتل العدالة.
عالمنا بسيط، أما عالمهم فمركب من تعقيدات .. فكيف ننسى مغالبتهما والنصر في النهاية لمن يظل على صبره وصموده. ليس من يضحك في البداية بل في النهاية .. عديدون من ظنوا البداية ربحا، لكن النهايات هزمتهم. الصبر على ضالتهم مكسب ونصر، والصبر على جهالتهم فاتح من فتوحات الأمان.
يمينا بعد اليوم لن ننسى.