[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedbinsaidalftisy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد بن سعيد الفطيسي[/author]
”.. حدد جلالة السلطان قابوس المعظم في 18/11/1972م النقاط الخمس الرئيسية التي سارت عليها ملامح السياسة الخارجية العمانية أو بمعنى آخر سمة الشخصية السياسية التي ستسير بناء عليها عمان السلطان قابوس في علاقاتها الإقليمية والدولية على مستوى السياسة الخارجية, و(يرسم توسيم الأمة التطبيق العملي لبناء صورة ذهنية نادرة عن بلد معين وإيصال هذه الصورة لبقية دول وشعوب العالم”
ـــــــــــــــــــــــــــ
في العام 1973م وتحديدا في خطاب العيد الوطني الثالث أكد حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ استمرار المنهج الذي رسمه للسياسة الخارجية العمانية منذ العام 1970م وهو السير في طريق تفكيك أطواق العزلة أو الأحادية السياسية كما سلف وأطلقنا عليها، وتوسيع دائرة العلاقات الدولية والدبلوماسية العالمية بشكل منهجي من خلال اختيار الأشقاء والأصدقاء، مع المحافظة على الخصوصية والقيم العمانية الأصيلة التي يرغب في أن ترسم سمة وملامح السياسة الخارجية العمانية في عهده، فيما يطلق عليه" بتوسم الأمة" في مجالات وطنية مختلفة منها السياسة الخارجية رغم ان هذا المصطلح ظهر في تسعينيات القرن 20 بحسب سايمون انهولت وولي أولينز.
وقد حدد جلالة السلطان قابوس المعظم في 18/11/1972م النقاط الخمس الرئيسية التي سارت عليها ملامح السياسة الخارجية العمانية أو بمعنى آخر سمة الشخصية السياسية التي ستسير بناء عليها عمان السلطان قابوس في علاقاتها الإقليمية والدولية على مستوى السياسة الخارجية، و (يرسم توسيم الأمة التطبيق العملي لبناء صورة ذهنية نادرة عن بلد معين وإيصال هذه الصورة لبقية دول وشعوب العالم، ويستخدم هذا التطبيق أدوات الدبلوماسية العامة، والتجارة، السياحة، الإعلام، العلاقات العامة، التسويق، والمبادرات الإنسانية ...الخ، ويهدف إلى جعل الهوية الوطنية ملموسة، قوية، مفيدة للآخرين عبر تكوين علاقات مصالحيه وقابلة للنقل عبر قنوات الاتصال).
وتلك السياسة أو الخطوط الرئيسية كما سبق وأشرنا إليها والتي ستشكل منهج السلطان قابوس او برنامج العمل كما أطلق عليه بنفسه في خطاب العيد الوطني الثاني بتاريخ 18/11/1972م والذي سيلجأ إليه للتخلص من تلك العزلة تهدف إلى أمرين، أولهما على صعيد الجغرافيا السياسية وهو إخراج لوطن الوليد من قمقم العزلة والأحادية ليتعرف عليه العالم فيمارس حقه في الاتصال والتواصل الدولي، أما الأمر الآخر فهو إعادة الثقة لأبناء وطنه الذين عاشوا تلك العزلة لسنوات طويلة، وإخراجهم إلى رحابة وسعة العالم الخارجي، وهو ما أكده جلالته في 14/يوليو/1973م بقوله: كان لا بد ان نخرج إلى العالم بعد تلك العزلة الطويلة، ولقد نجحنا في ذلك إلى حد كبير، ولقد أعطى ذلك تأثيره على الداخل أيضا، فقد أحس أبناء هذا القطر ان بلدهم أصبح له كيانه بين دول العالم ... ان ذلك يعطيهم دفعة قوية من اجل مزيد من العمل ويجعلهم أكثر إيمانا بقضيتهم ويساعدهم على الاستقرار النفسي.
وقد أكد جلالته مرارا وتكرارا بأن نهجه سيكون مزيجا من المحافظة على الأصالة والخصوصية العمانية والوطنية ومتطلبات المعاصرة والتعاون الدولي بشكله الحديث هي انتهاج سياسة حسن الجوار مع الدول المجاورة لسلطنة عمان كدول الخليج العربي والجمهورية الإسلامية الإيرانية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي منها، مع تدعيم العلاقات مع الدول العربية وإقامة علاقات ودية مع دول العالم الراقي أو الصديق كالولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا على سبيل المثال، بالإضافة إلى ما يسمى بالسياسة الأخلاقية والقيم والمبادئ الإنسانية التي ترتكز على الوقوف بجانب القضايا العربية والإفريقية العادلة في المجالات الدولية وتأييد نضال الشعوب المضطهدة والمستعمرة من اجل الحرية والاستقلال في مختلف أرجاء العالم، وأخيرا الالتزام بالخط الذي تسير عليه دول العالم الثالث او الدول النامية وهو خط عدم الانحياز سواء كان ذلك على مستوى المكونات الدولية او المكونات القومية السياسية.
وفي هذا السياق أشار قائلا: (إننا جزء من الأمة العربية تربطنا وحدة الهدف والمصير قبل ان يجمعنا ميثاق الجامعة العربية، وموقفنا من القضايا العربية واضح وصريح لا لبس فيه ولا غموض، وقد أعربنا عن تضامننا مع إخواننا العرب بكل ما نستطيع وأبدى الشعب العماني روحا أصيلة في الوقوف ضد العدوان الصهيوني، وتأييد الحق العربي في استعادة جميع الأراضي العربية التي اغتصبها العدو بالقوة والغدر والإرهاب، وسنبقى دائما مؤيدين للحق العربي ندعمه بالدم والمال ونسانده بكل طاقاتنا حتى يعود الحق إلى نصابه وترتفع أعلام النصر على الرؤوس بعون الله، كما تستمر عمان في جهودها المتواصلة ونشاطاتها الباسلة في الأسرة الدولية وتسهم بنصيبها في حل المشاكل والقضايا العالمية إثباتا لوجودها كعضو في هيئة الأمم المتحدة، وإعرابا عن رغبتها الأكيدة في استقرار الأمن والسلام بين دول العالم المختلفة وإقامة علاقات الود والصداقة مع كل دولة تمد يد الصداقة لنا على أساس الاحترام المتبادل وعلاقات الند للند).
وبالتعمق في دراسة وتشريح الخطابات السلطانية واللقاءات الإعلامية والصحفية في الفترة من العام 1970م حتى العام 1975م، وهي الفترة التي أطلقنا عليها بفترة التأسيس لمبادئ وقيم ومثل السياسة الخارجية العمانية، نجد الاهتمام السلطاني البالغ والخاص بعدد من القضايا الإقليمية العربية والتوجهات السياسية الدولية، ومن أبرزها على الإطلاق:
(1) الصراع العربي مع العدو الصهيوني: ظهرت أول الإشارات إلى اهتمام حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم بقضايا الأمة العربية المصيرية بالرغم من الوضع غير المستقر والمضطرب الذي كانت تعيشه البلد في ذلك الوقت في العام 1973م وتحديدا في خطاب العيد الوطني الثالث قائلا: لقد أعربنا عن تضامننا مع إخواننا العرب بكل ما نستطيعه وأبدى الشعب العماني روحا أصيلة في الوقوف ضد العدوان الصهيوني، وتأييد الحق العربي في استعادة جميع الأراضي العربية التي اغتصبها العدو بالقوة والغدر والإرهاب.
(2) المشاركة في النشاطات الدولية بهدف توطيد العلاقات والصداقات بين عمان والخارج تصديقا للمبادئ الخمسة التي حددت قيم وأهداف السياسة الخارجية العمانية في العام 1972م، ومن ضمن تلك المشاركات المشاركة في مؤتمر عدم الانحياز الذي عقد بالجزائر والمؤتمر الإسلامي بلاهور ومؤتمر القمة العربي الذي عقد بالرباط في أكتوبر 1974م ومؤتمر جنيف للسلام، وقد أكد حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم في الخطاب الذي وجهه إلى الشعب بتاريخ 26/11/1975م رضاه التام عما تحقق على هذا الصعيد، ما يؤكد اكتمال الأهداف والخطوط العريضة المرسومة للسياسة الخارجية العمانية مع بداية حركة التصحيح لمسارات السياسة العمانية بوجه عام، حيث قال صاحب الجلالة في ذلك الخطاب: أما على صعيد العلاقات الدولية فإني سعيد جدا ان أقول ان عمان اليوم تشارك في معظم المنظمات والمؤتمرات الدولية سواء كانت تحت إشراف الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة او تحت إشراف منظمات عربية او إسلامية او دولية أخرى.
(3) العمل على تفعيل وإحياء مبادئ السياسة الخارجية العمانية التي رسمت قيم ومبادئ السياسة الخارجية العمانية على ارض الواقع من خلال توثيق روابط التعاون وحسن الجوار وتدعيم العلاقات مع الدول الشقيقة سواء كانت الخليجية أو العربية، وهو ما أكدته الزيارة التي قام بها صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم لكل من دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر حيث أشار جلالته إلى ان الهدف الرئيسي من هذه الزيارة هو التشاور وتبادل الرأي حول تحقيق التعاون مع الإخوة والجيران في القضايا ذات الاهتمام المشترك وعلى رأسها توطيد أمن واستقرار المنطقة كسياسة عامة وكذلك الزيارة إلى العاصمة التونسية في العام 1973م
(4) التنبه والتنبيه إلى قضية الصراع العالمي والمطامع الدولية في مصادر ومنابع النفط والثروات في المنطقة العربية بوجه عام والخليج العربي على وجه الخصوص.
(5) أهمية الوحدة العربية والأمن القومي العربي وضرورة التلاحم العربي وتوحيد الصف العربي لمواجهة مختلف التحديات والعقبات التي تواجه وستواجه دول المنطقة العربية وعلى رأسها العدو الصهيوني، والتأكيد على ضرورة نبذ الخلافات العربية العربية، وقد أشار في حينها إلى الخلافات التي تعصف بالعالم العربي بقوله: (انظر إلى خريطة العالم العربي، ماذا يحدث في بيروت، الموقف بين سوريا ولبنان، الموقف على الحدود العراقية الكويتية ـ وملف الصراع العراقي الإيراني ـ وغيره من الخلافات التي تفتت القوى العربية ) كما أكد على ان الأمن القومي لسلطنة عمان هو امتداد للأمن القومي العربي وهو مبدأ أصيل من مبادئ السياسة الخارجية العمانية والذي أكده بقوله: ليس من شك بأن عمان بساحلها وداخلها دولة واحدة ... سنسعى إلى المزيد من التضامن والاتحاد بيننا وبين إخواننا العرب على ساحل الخليج لأننا نعتبر أنفسنا وحدة كاملة.